: آخر تحديث

الاستثمار الثقافي... منجم الفرص الواعدة في السعودية

1
0
0

برعاية كريمة من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، أُسدل الستار مؤخراً عن أعمال مؤتمر الاستثمار الثقافي في نسخته الأولى، والذي عكس حجم النمو الذي حظي به القطاع الثقافي خلال الأعوام الماضية، وشهد توقيع 89 اتفاقية بقيمة تقترب من خمسة مليارات ريال، وسط حضور دولي كبير من المستثمرين ومديري الصناديق ورؤساء الشركات؛ وهو ما يعكس قدرة المملكة على رسم التوجهات المستقبلية للاستثمار الثقافي، والإنتاج الإبداعي المستدام.

وفي ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها القطاع الثقافي، والتحديات غير المسبوقة الناتجة من ذلك، جاء المؤتمر مبادرةً سعوديةً للمساهمة في استشراف مستقبل القطاع، وتحفيز الاستثمارات وخلق الفرص الواعدة في المجال الثقافي. حيث تؤكد المؤشّرات العالمية أهمية الصناعات الإبداعية والثقافية باعتبارها ركيزة اقتصادية واستثمارية لدول العالم، حيث بلغ حجم الاستثمار الثقافي في العالم ما يعادل 2.3 تريليون دولار أميركي سنوياً، وهو ما يمثل 3.1 في المائة من الناتج العالمي.

وأمام ضخامة سوق الصناعات الإبداعية والثقافية في العالم، وتضاعف نموها في العقدين الماضيين، حظي القطاع الثقافي السعودي بدعم كبير وغير مسبوق من خادم الحرمين الشريفين، وولي العهد؛ ما جعل القطاع الثقافي من أسرع القطاعات نمواً، حيث شهدت رحلة القطاع الثقافي في البلاد قفزات نوعية مع إطلاق «رؤية السعودية 2030»، وتأسيس وزارة الثقافة، وإطلاق الاستراتيجية الوطنية للثقافة، وتأسيس 11 هيئة ثقافية تغطي مختلف القطاعات الثقافية.

وانعكس ذلك الدعم على النتائج التي حققها القطاع بعد إعلان «رؤية السعودية 2030»، فقبل عام 2018، لم تكن مساهمة القطاع الثقافي تتجاوز 30 مليار ريال من الناتج المحلي، واليوم نرى القطاع الثقافي السعودي يتحوّل من قطاع داعم إلى رافعة اقتصادية أساسية، وأصبحنا أقرب من أي وقت مضى لتحقيق مستهدفنا الطموح في الوصول بمساهمة القطاع إلى 3 في المائة من الناتج المحلي، حيث أسهم القطاع في عام 2023 بما يقارب 60 مليار ريال في الناتج المحلي الإجمالي، في حين بلغت قيمة الدعم المالي المتدفق للقطاع الثقافي في عام 2024 نحو 7.1 مليار ريال، كما وصلت الاستثمارات في البنية التحتية الثقافية السعودية إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ البلاد، متجاوزةً 81 مليار ريال.

وبفضل حزمة المبادرات التي قادتها الحكومة مدفوعة بـ«رؤية السعودية 2030»، قفزت أعداد العاملين في القطاع الثقافي إلى 234 ألفاً، وتجاوز معدل نمو عدد خريجي التخصصات الثقافية 79 في المائة في العام الماضي، وارتفعت نسبة المتخصصين في التخصصات الثقافية بما يعادل 65 في المائة، وبلغت نسبة المبادرات المخصصة لتنمية القدرات الثقافية 25 في المائة من إجمالي مبادرات وزارة الثقافة، والتي تجاوزت 500 مبادرة خلال فترة وجيزة.

وأصبح للقطاع الخاص حضور غير مسبوق في القطاع الثقافي خلال الأعوام الماضية، فعلى سبيل المثال وصل عدد الشركات العاملة في الأنشطة الثقافية إلى أكثر من 51 ألف شركة عام 2023، بزيادة نسبتها 23.6 في المائة منذ عام 2021. وحظي القطاع بدعم مباشر وصل إلى 377 مليون ريال في العام الماضي، كما بلغ عدد المشاريع الثقافية الممولة من الصندوق الثقافي منذ انطلاقه وحتى نهاية الربع الثالث من العام الحالي - عبر حلوله المالية المتنوعة - 150 مشروعاً ثقافياً، وذلك بإجمالي تجاوز 508 ملايين ريال؛ تنوّعت بين التمويل والاستثمار والمنح. كما مكّن الصندوق الثقافي عبر حلوله التطويرية 1517 رائدة ورائد أعمال في مختلف القطاعات الثقافية. ويستهدف الصندوق تغطية فجوة التمويل بنسبة 45 في المائة، وضخ ما يقارب 13.8 مليار ريال من الدعم المالي بالشراكة مع القطاع الخاص، وخلق 30 ألف وظيفة.

وارتفع عدد الجمعيات والمؤسسات الثقافية وأندية الهواة في القطاع غير الربحي من 28 جمعية في عام 2017 إلى 1499 جمعية. كما زاد إقبال مختلف شرائح المجتمع على الأنشطة الثقافية؛ فمنذ عام 2021 وحتى 2024 ارتفع الاستهلاك المحلي للفعاليات الثقافية، حيث تجاوز عدد حضورها 23.5 مليون زائر. وبذلك تخطى العدد المستهدف لعام 2030 والبالغ 22 مليون زائر.

كما زاد عدد الأصول الثقافية في المملكة، وشهد القطاع ولادة لاعبين جدد في الساحة من متاحف ومراكز ومعارض ثقافية وفنية كبيرة بطموحها وحضورها، ومنها مركز الدرعية لفنون المستقبل، وبينالي الدرعية، وبينالي الفنون الإسلامية، وحي جاكس، ومهرجان البحر الأحمر الدولي السينمائي، وغيرهم.

ومع رحلة النمو الكبيرة التي يمر بها القطاع الثقافي السعودي، بدت فرص الاستثمار كبيرة وواعدة؛ إذ قفز الاستثمار في القطاع الثقافي إلى 1.8 مليار ريال، وشهد دخول 1700 استثمار دولي، إضافة إلى الكثير من الفرص الثقافية الكبرى المتاحة للمستثمرين؛ ما يجعلنا نؤمن في المنظومة الثقافية بأهمية دور القطاع الخاص، وغير الربحي في مشاركتنا هذه الرحلة، التي تهدف عند حلول عام 2030 إلى رفع عدد زوار الفعاليات، والمواقع الثقافية، ورفع عدد الخريجين في التخصصات الثقافية ليصل إلى 255 ألفاً، وأن تصل مساهمة القطاع إلى نسبة 3 في المائة من الناتج المحلي، وأن يخلق القطاع الثقافي أكثر من 346 ألف وظيفة. وأن تبلغ قيمة الصادرات الثقافية 24 مليار ريال.

إضافة إلى أن القطاعات الثقافية شهدت قفزات نوعية في مساهمتها في الناتج المحلي، فعلى سبيل المثال، وفي قطاع الأفلام، تجاوزت الاستثمارات في البنية التحتية السينمائية 3.5 مليار ريال حتى الآن، محققة إيرادات سنوية تصل إلى 900 مليون ريال في مبيعات التذاكر، ومن المتوقع أن تتراوح قيمة الطلب على قطاعات الأزياء والأفلام وفنون الطهي بين 31.9 مليار و34.8 مليار ريال في عام 2030.

كما أنه من المتوقع أن تتراوح قيمة الطلب على الدعم المالي الثقافي بين 75 ملياراً و85.1 مليار ريال في عام 2030؛ ما يخلق فرصاً استثمارية لرأس المال الخاص بقيمة تتراوح بين 25.1 مليار و34.8 مليار ريال لتلبية هذا الاحتياج. كل هذا الحراك الإيجابي في مسيرة نمو القطاع، تؤكّد متانة القطاع الثقافي السعودي، وقوته في جذب الاستثمارات المحلية والدولية، خصوصاً في ظل أولويات النموذج الثقافي السعودي في تعزيز بنيته التحتية، وتنظيم السياسات، والحوافز، والأنظمة.

ومن المهم التنويه بالمكسب الأكبر والأعظم في الاستثمار الثقافي، المبدع السعودي الذي كان وسيبقى رأسمال الثقافة، ووقودها والمحرك الأساسي لها؛ فالاستثمار الثقافي يبدأ من عقل المبدع السعودي، وإبداعه القادر على فهم ثقافته، ونقلها للداخل والخارج بشكلٍ يليق بمكانة بلاده، وتقاليدها ونهجها، فمن عصر الروّاد إلى وقتنا الحاضر قدمت الكثير من عقول هذه الأرض إبداعات لافتة، ومع تنمية قدرات مبدعي المستقبل بدءاً من أكاديميات الثقافة والفنون، وصولاً إلى جامعة الرياض للفنون، نعمل على الاستثمار في المبدع السعودي كجزء أساسي من الاستثمار الثقافي، لنبني جيلاً ثقافياً يكمل مسيرة النهضة في الثقافة السعودية.

* وزير الثقافة السعودي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد