سليمان جودة
يأبى الملك الذهبي توت عنخ آمون إلا أن يكون محاطاً بالأضواء في كل مناسبة، وقد جاء افتتاح المتحف المصري الكبير في الأول من هذا الشهر ليقول ذلك من جديد ويؤكده.
الأضواء التي أحاطت به هذه المرة راجعة إلى سبب غريب، وهو أن للملك الذهبي مكتشفاً آخر بخلاف البريطاني هوارد كارتر، الذي عشنا نعرفه، ونحفظ اسمه، ثم نردده كلما جاء الرابع من نوفمبر من كل سنة، باعتباره اليوم الذي اكتشف فيه محتويات مقبرة توت عنخ آمون كاملة.
جاء افتتاح المتحف ليقول لنا، إن مكتشفاً آخر كان وراء إخراج محتويات المقبرة كاملة إلى النور، وإن المكتشف الآخر مصري وليس بريطانياً، واسمه حسين عبد الرسول، وكان يعمل في نقل المياه للبعثة البريطانية، التي كانت تنقب في البر الغربي في الأقصر عام 1922.
القصة أثارها نوبي حسين عبد الرسول، ابن المكتشف المصري، عندما تابع مع الذين تابعوا افتتاح المتحف فيلماً تسجيلياً، فاكتشف أن الفيلم يخصص وقتاً للحديث عن والده، وعن دوره في الكشف عن الملك الذهبي في جبانة طيبة في البر الغربي. يروي نوبي أن والده لاحظ يوماً وجود حجر في وضعية لافتة، فلما حاول تحريكه من مكانه كشف له عن درجة من درجات سِلم مثبتة في مكانها، ومن بعدها كانت هناك درجة أخرى، فثالثة، فدرجات أخرى، قادت كلها إلى مقبرة الملك الذهبي، حيث وجدوه ممدداً في مكانه، بغير أن يصيب التلف أي جزء من هيكله، ولا مقتنياته مجتمعة.
الذين تابعوا قصة المكتشف عبد الرسول اهتموا بالتفاصيل وتابعوها مذاعة على الشاشات مرة، ومكتوبة على الصفحات مرة ثانية، وفي المرتين كانوا يستعيدون قصة الملك الذهبي الذي شغل العالم، والذي لا يزال يشغله منذ أن أماط كارتر اللثام عن جبّانته، ومنذ أن وضع مجموعته مكتملة أمام الذين يملكون الشغف تجاه تاريخ مصر القديمة.
وقد حظي الملك توت بشهرة واسعة بين المهتمين بهذا التاريخ على امتداد العالم، وما أكثرهم في كل مكان، والغريب أن شهرته لم تكن راجعة إلى بطولات حققها ولا إلى معارك خاضها، ولكن إلى مفارقات عجيبة رافقت حياته وموته على السواء.
من بين المفارقات على سبيل المثال، أنه باعتباره ملكاً من ملوك الأسرة 18 في مصر القديمة عاش 18 سنة، وأنه تولى الحكم في سن التاسعة، وحكم تسع سنوات، وأن موته المفاجئ والغامض أحاطت به أقاويل كثيرة، حتى قيل ولا يزال يقال إنه مات مقتولاً، وكان من بين الأدلة على ذلك أن هناك شرخاً في جمجمته وعظام فخذه، وأن وزيره تزوج أرملته بعد وفاته.
ولا يكاد ينافس تون عنخ آمون في شهرته إلا رمسيس الثاني، الذي جاء في الأسرة التالية مباشرة، وحكم عشرات من السنين، وأنجب الكثير من الأولاد، وخاض حروباً كثيرة لم ينهزم في أي منها، وعقد اتفاق سلام مع الحثيين في منطقة الشام الحالية، بعد أن هزمهم في معركة قادش الشهيرة، وكان اتفاقه معهم هو أول اتفاق سلام في التاريخ، فقيل عنه عن حق إنه ملك الحرب والسلام.
يبدو الاثنان في تاريخ مصر القديمة، وكأنهما فرسا رهان كلما سبق أحدهما الآخر عاد هذا الآخر ليسبق من جديد، وهكذا في جولات لا تنتهي بينهما، وليس هناك ما هو أغرب من أن هذه الجولات لم تتم في حياتهما فقط، ولكنها تواصلت وتتواصل بين المعجبين بهما، والشغوفين بتاريخهما، والحريصين على أن يتابعوا كل جديد عنهما معاً.
ولا بدّ أن الزائر للمتحف الكبير سوف يجد نفسه مشدوداً إليهما معاً، وسوف لا يعرف ما إذا كان عليه أن يقف طويلاً أمام تمثال رمسيس الثاني في بهو المتحف، أم يسارع إلى مكان الملك الذهبي يتطلع إليه، ثم إلى السر الذي يبدو وكأنه قد أخذه معه عن وفاته بالذات.
ولكن هذا كله «كوم»، وأن يظهر مكتشف جديد لتوت عنخ آمون «كوم آخر»، خصوصاً أن هذا المكتشف الذي نتعرف عليه جماهيرياً للمرة الأولى كان عاملاً بسيطاً من العمال المرافقين للبعثات، وهي تبحث وتنقب في باطن أرض الأقصر.
على مدى 103 سنوات كان هوارد كارتر قد ذهب بالفضل كله في عملية الاكتشاف، ولكن حسين عبد الرسول أبى إلا أن يقاسمه جانباً من الفضل بعد مُضي أكثر من قرن، وأبى إلا أن يجلس إلى جواره في المتحف الكبير رأساً برأس، وإن لم يكن رأساً برأس فجنباً إلى جنب.
وكانت فرحة الابن نوبي بذلك كأن الأب قد عاد إلى الحياة، أما لماذا سُمي توت عنخ آمون الملك الذهبي، فلأن مجموعته المكتشفة تتكون من 5500 قطعة ذهبية خالصة، ولأن نسبة نقاوة الذهب في قناعه الذهبي الشهير تصل إلى مائة في المائة.
سوف يكون على زائر المتحف أن يتوقف أمام 155 فاترينة، تتوزع عليها المجموعة، وسوف يفعل ذلك متأثراً بمشهد ضيوف افتتاح المتحف، الذين وقفوا أمام الملك ومجموعته ولا يكادون يصدقون.

