من أشهر كتبه «عصر الظلام: الإمبراطورية البريطانية في الهند»، والذي تضمن نقداً لاذعاً للحكم الاستعماري البريطاني، وكيف استنزف ثروات الهند بشكلٍ ممنهج من خلال الضرائب والتلاعب بالتجارة وتدمير الصناعات المحلية، محولاً الهند، من إحدى أغنى دول العالم، إلى واحدة من أكثرها فقراً. وبيّن كيف تسببت بريطانيا في مجاعة إقليم البنغال، الذي أدى لوفاة الملايين. كما يبين كيف فرضت نظاماً عنصرياً عميقاً، وقوّضت التقاليد والتعليم والنسيج الاجتماعي الهندي، متذرعةً بأن دورها حضاري.
كما أدان ثارور التشريعات التعسُّفية التي خلّفها المستعمرون، والتي زرعت انقسامات دائمة، من أبرزها انفصال باكستان عن الهند، مما تسبب في عدم استقرار وصراعات مستمرة، حتى اليوم. كما دحض خرافة «فوائد الاستعمار»، وتحديث الهند، من خلال بناء السكك الحديدية ووضع القوانين، موضحاً أن هذه الإنجازات صُممت لخدمة المستعمر، وجاءت على حساب الهنود بتكلفة باهظة، ودعا بريطانيا إلى الاعتراف بالظلم التاريخي، وتساءل عما دفع تلك الدول الاستعمارية لأن تُرسل جيوشها لآلاف الأميال بعيداً عن وطنها، وتحتلها إن لم يكن الهدف نهب ثرواتها النقدية والمعدنية، وحتى الزراعية. كما أنها نقلت كميات هائلة من الذهب والفضة وأموال الخزانة الهندية إلى لندن وسرقت كنوزها، ومن أبرزها ماسة «كوهينور» Koh-i-Noor الأكبر والأشهر. كما أضعفت صناعة النسيج المحلي بالتشريعات والضرائب، وفرضت استيراد المنتجات البريطانية بدلاً منها، فتحولت الهند من دولة مصدّرة للنسيج إلى سوق لها. كما فرضت بريطانيا ضرائب مرتفعة على المزارعين، وأجبرتهم على زراعة محاصيل نقدية (كالقطن والخشخاش) بدلاً من الغذاء، ما أدى لتكرار المجاعات والفقر. كما كان لـشركة الهند الشرقية الاحتكارية دور في إلغاء قطاع التجارة المحلي تقريباً، والتلاعب بأسعار المواد الخام، ولم تتردد حتى في سرقة التحف والآثار، ونقل آلاف القطع والوثائق النادرة إلى المتاحف البريطانية.
والخلاصة أن الهند، قبل البريطانيين، كانت واحدة من أغنى الاقتصادات، ويقدر المؤرخون والاقتصاديون، وعلى رأسهم أنغوس ماديسون، بأن حصة الهند من الناتج المحلي الإجمالي العالمي كانت حوالي 27%، مدفوعةً بالزراعة المتقدمة، وصناعة النسيج المزدهرة، والتعدين، وبناء السفن، وشبكات التجارة النشطة. وبعد ما يقرب القرنين من الحكم الاستعماري البريطاني، انخفضت حصة الهند من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بشكل كبير لتصل إلى حوالي 4%.
يقول الخبراء: إن بريطانيا نهبت الكثير من مستعمراتها التي بلغ عددها السبعين، وأكبر من نهبت كان 150 مليار دولار من كينيا، 200 مليار من ميانمار، 250 بليون من مصر، 500 مليار من ماليزيا، و900 مليار من نيجيريا، و1.5 تريليون من جنوب أفريقيا،... و45 تريليوناً من الهند، في أكبر عملية نهب عرفها التاريخ البشري. وعلى الرغم من ضخامة السرقات من الهند، التي امتدت لقرنين، وكل ما تسببت فيه بريطانيا من تخريب للاقتصاد والقطاع الزراعي والصناعي، وتحويلها الهند لواحدة من أفقر دول العالم، فإن الهند نهضت وتقدمت، بفضل جهود أبنائها، وأصبحت بين أكبر القوى العسكرية والاقتصادية في العالم، ونجحت في إيصال أبنائها لأعلى المناصب السياسية والتقنية، في الكثير من الدول ومنها رئاسة الوزارة في بريطانيا نفسها، ودول غربية أخرى، وبصورة لم يشهد العالم لها مثيلاً من قبل.
* * *
احتلال الهند، وتالياً استقلالها عن بريطانيا، ذكراني بما قالته يوماً الفنانة المصرية تحية كاريوكا، بعد أن طردها طليقها فايز حلاوة، من بيته: «ابن الـ....، أخذني شحم ولحم ورماني جلد وعظم»!
مع الفارق طبعاً.
أحمد الصراف

