يزداد يقيني كل يوم بضرورة التحرك لإدراك أبعاد انغماسنا في عالم الخوارزميات بكل أشكالها، وخاصة مواقع التواصل المغرية في محتواها المنوع، النافع منه والعكس.. على الأفراد والأسرة بشكل أخص.
كثير من الأسر في حياتنا اليوم، وللأسف الشديد.. أم وأب وأبناء، هم في بيوتهم أجساد متباعدة، لا يربطها سوى «الواي فاي» داخل البيت.
كل فرد شبه منفصل عن أسرته في حجرته.. وحتى معهم بنفس المكان، كل منهم يعتقد أنه على تواصل بالعالم، بينما هو أبعد ما يكون عمن يجلس أمامه.
يلفت نظري كثيراً مشاهدُ الأسر أو الأصدقاء.. في المطاعم والمقاهي وقد انشغل كل منهم بشاشة هاتفه، كل له عالمه واهتماماته مع طرف آخر في جهازه.
هل نحتاج الى إعادة تشكيلٍ لوعينا الذي خرج من مساره الصحيح، فصمتنا لم يعد راحة، بل فراغاً نحشوه بالرسائل والفيديوهات، والألوان والأصوات، حتى أصبحنا في حالة بحث دائم عما يهمنا وما لا يهمنا.
ذاكرة الهاتف أصبحت هي أرشفينا البعيد عنا.. ولحظات حياتنا ومناسباتنا مرصوصة في هذا الأرشيف، حتى ضمرت ذاكرتنا وقلت ذكرياتنا.
ندرت لحظات اشتياقنا لأنفسنا، ولقاء المقربين والأحبة والنظر في عيونهم والاستماع لهم والتحدث معهم، أحاسيسنا كادت أن تتلاشى لسماع أصواتهم وتلمس مشاعرهم.
كيف نكسر الصمت الذي بنيناه داخلنا؟ وهل نتخلص من هواتفنا الشخصية وصولاً لذلك؟
أولاً علينا أن نعترف أننا جزء من المشكلة، وأن الهاتف لا يسرق وقتنا، بل نحن من نطبق عليه بأيدينا. لنهرب به من عالمنا الى متاهات المواقع الالكترونية بكل اشكالها.
ولنعترف أيضاً أن التكنولوجيا ليست شراً كما نردد، وانما نحن نحتاج فقط الى أن نكون أقوى، نعرف متى نرفع الهاتف، ومتى نتركه.
كثيرون أعرفهم.. تخلوا عن هواتفهم المتطورة الغنية بالمواقع والخدمات التي توفر مواد ضخمة يمكن أن تشغلنا 24 ساعة متواصلة، واستعاضوا عنها بهواتف بسيطة جداً، لا تتعدى خدماتها الاتصال والرسائل النصية فقط.
هؤلاء هم الجادون وهم من أعلنوا صراحة أنهم عازمون وبشكل جاد على استعادة وقتهم.. الذي كان يذهب في أمور لا ينتج عنها.. سوى مشاعر بعيدة عن الهدوء والسكينة والرضا.
فهل تتفقون معي؟!
إقبال الأحمد

