: آخر تحديث

طاعون العصر

2
2
2

محمد الرميحي

هو عابر للأيديولوجيا وأيضاً الجغرافيا، إنه ما يسمى اليوم بالإرهاب الدولي. في لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع في البيت الأبيض، تم الاتفاق على عدد من القضايا، أهمها أن تلتحق سوريا بتحالف دولي، معها تصبح 90 دولة لمكافحة الإرهاب. لم تعد مكافحة الإرهاب شعاراً سياسياً، بقدر ما أصبحت ضرورة وجودية أمام دول العالم. هذه الجماعات الإرهابية، تضرب في المجتمعات المختلفة، سواء في العواصم الأوروبية أو في الشرق الأوسط، أو في الساحل الأفريقي، أو في باكستان أو أفغانستان، والهند، وتهدد هذه الجماعات استقرار الدول، وتقوض التنمية، وتعيد رسم الجغرافيا والسياسة، على أساس من العنف والفوضى.

وإذا كانت الظاهرة عالمية في شمولها، فإن الشرق الأوسط وشرق أفريقيا يشكلان بؤرتين مزمنتين لتفريخ الإرهاب، فمن «القاعدة» إلى «داعش» إلى «بوكو حرام»، إلى جماعة «نصرة الإسلام»، وسلسلة لا تنتهي من عصابات العنف، حيث تسلح الأفكار الدينية والعرقية والطائفية بسلاح التعصب، فلم يعد مرتبطاً بقضية وطنية، بل بات مشروعاً فوضوياً لتحقيق أهداف سياسية.

إنه الوحش العالمي الجديد، وتحول عدد من البلدان إلى مراكز تجارب لهذا الوحش.

بدأت القصة ربما مع الغزو السوفيتي لأفغانستان، حين تجمع الآلاف من المقاتلين في أنحاء العالم في موسم سمي آنذاك الجهاد ضد الشيوعية، ومن رحم تلك الحرب خرج تنظيم القاعدة، الذي سرعان ما تحول من مقاومة للاحتلال إلى مهاجمة الغرب، ثم جاءت حرب العراق عام 2003 لتفتح الباب واسعاً أمام تنظيمات جديدة، كان أخطرها تنظيم داعش الذي أعلن خلافته في الموصل عام 2014 وتسبب في حروب أهلية في سوريا واليمن وليبيا، وانهيار مؤسسات الدولة، وفر ذلك تربة خصبة للتجنيد والتمويل، فيما تحولت الحدود المفتوحة إلى معابر للأسلحة والمقاتلين، مولتها دول لمصلحتها.

في السنوات الأخيرة، تحولت أفريقيا إلى ساحة موازية لنشاط الإرهاب العالمي، فمن غرب القارة الأفريقية إلى شرقها تتنامى التنظيمات، مثل بوكو حرام في نيجيريا، والشباب في الصومال، وفرع «داعش» في الساحل والصحراء الكبرى، هذه الجماعات وجدت في ضعف الدول، وغياب التنمية، بيئة مثالية لتجنيد الشباب، كما استفادت من النزاعات القبلية، في بناء شبكاتها المحلية، وباتت بعض المناطق خارج سيطرة الحكومات.

الإرهاب ليس فقط مشروعاً عسكرياً أو دينياً، بل هو أيضاً نتيجة طبيعية لأزمات اجتماعية واقتصادية وسياسية في تلك البيئات التي يسودها غياب العدالة، وتفشي البطالة، فيجد الشباب أنفسهم أمام طريقين، اليأس أو التطرف، وحتى في البلدان شبه الغنية، نجد أن طائفة من الشباب تختطف باسم الأيديولوجيا، تغريهم الخطابات المتشددة بوعد الخلاص. كما لعبت وسائل التواصل الاجتماعي، التي انتشرت كالنار في الهشيم، دوراً متزايداً في نشر الفكر المتطرف.

إذا أراد العالم فعلاً القضاء على الإرهاب، فعليه أن يتعامل مع جذوره لا أعراضه، لا يمكن هزيمة الإرهاب فقط بالأسلحة والطائرات والرصاص، بل عبر بناء دول قوية قادرة على تحقيق العدالة والتنمية، وإصلاح جذري في الثقافة العامة، سواء كانت الدينية أو الاجتماعية. وتصحيح المفاهيم المغلوطة التي يتغذى عليها المتطرفون، إلا أن ذلك يبدو صعباً في هذه المرحلة، حيث إن وسائل التواصل الاجتماعي، وانتهازية بعض الدول، تتيح للتطرف الفكري مجالات واسعة للوصول لجماعات كبيرة بخطاب ثقافي وإعلامي يحث على التطرف بأشكاله المختلفة، ويحارب التنوير، ويشيع الكراهية.

الإرهاب الدولي هو مرآة تعكس أزمات العالم العميقة، والتدخلات الخارجية، لذلك سيبقى خطراً مستمراً ما لم تعالج هذه الجذور بجرأة، سواء كان في الشرق الأوسط أو شرق أفريقيا أو حتى في البلدان المتقدمة، كما يحدث الآن مثلاً في بريطانيا من مجاميع اليمين التي تسمي نفسها المسيحية القومية. استمرار دوامة الدماء في هذه المناطق المختلفة يجب أن تعالج من خلال وضع الإنسان أولاً، وتقديم خطاب فكري مناقض للأفكار المطروحة، فلا يهزم الفكر إلا الفكر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد