عبدالعزيز سلطان المعمري
المتابع للشأن السوداني والمطلع على الوضع الراهن فيه، يدرك أن الهدنة الإنسانية أصبحت أكثر من ضرورة، بل هي حاجة ملحة للسودان وأهله. السودان يعيش اليوم واحدة من أكثر لحظاته سوءاً، فالحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أنهكته وقتلت وشردت أهله، حتى وصلت هذه الحرب إلى معظم أجزاء السودان، بل إلى مدن لم يكن يتوقع أهلها أن تكون جزءاً من خريطة الحرب والصراع.
في هذا السياق، تبرز مبادرة الرباعية الدولية «دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية والولايات المتحدة» وهي إحدى أهم المبادرات الجادة لوقف الحرب السودانية، لكن رفضها أو التحفظ عليها من أي طرف كان، أو حتى تعثرها لأي سبب، يكشف لنا عمق الأزمة السياسية وتعقيدات الصراع في السودان وتغليب المصالح الخاصة على مصلحة البلد وأهله، بل يمكننا اعتبار محاولة إفشال المبادرة بأنه إعلان أن الطريق نحو السلام في السودان لا يزال طويلاً وشاقاً.
لقد عملت «الرباعية» على معالجة الملف السوداني من زاوية إنسانية أولاً، ثم من زاوية سياسية، وهو نهج منطقي في ظل تفاقم الكارثة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، إلا أن قراءة وتحليل الخطاب المتشدد الذي تتبناه بعض القيادات العسكرية يتماهى بشكل كامل مع خطاب جماعة «الإخوان»، التي ما زالت ترى في الحرب فرصة لإعادة تثبيت مواقعها، وهذا ما يفسّر لنا إصرار البعض على رفض الهدنة.
مبادرة الرباعية الدولية تقوم على ثلاث ركائز أساسية: هدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر، وصول آمن للمساعدات عبر كل الممرات، ثم صياغة عملية انتقال سياسي تقود إلى حكومة مدنية خلال تسعة أشهر، وهي تمثل نقطة انطلاق نحو استعادة الدولة السودانية.
رغم ذلك، نجد أن قيادة الجيش السوداني ترفض التعاون مع «الرباعية» بحجة أنها «ليست جهة دولية مُفوّضة»، بينما تحاول في الوقت نفسه فتح مسارات موازية مع الأمم المتحدة والولايات المتحدة لتبرير موقفها، هذا التناقض يعكس محاولة للالتفاف على الضغط الدولي وإطالة أمد الأزمة، إضافة إلى البحث عن مساحات تفاوض بديلة قد تضمن استمرار دور الجيش ونفوذ جماعة الإخوان، ولو كان على حساب مستقبل الدولة والشعب السوداني.
إن الوضع في السودان يضع الدول الإقليمية والمجتمع الدولي أمام موقف وامتحان صعب، فالهدنة، رغم صعوبة تطبيقها بسبب الرافضين لها، إلا أنها باتت ضرورة ملحة ووجودية، لذا علينا أن نضع في اعتبارنا أنه ربما لا تكون مبادرة الرباعية هي الحل النهائي، لكنها بالتأكيد تشكل المدخل الأكثر واقعية نحو وقف نزيف الحرب، وحفظ الأرواح.
أما موقف دولة الإمارات، فهو واضح وثابت منذ البداية، وبعيداً عن المزايدات السياسية أو الخطابات الجوفاء والشعارات البراقة أو الكلمات الرنانة، المبدأ الإماراتي قائم على إنقاذ وحماية الإنسان السوداني، فلا بديل عن وقف الحرب، ولا بد من حماية المدنيين، ويجب تمكين القوى المدنية من قيادة السودان.
الموقف الإماراتي موقف سياسي وأخلاقي في الوقت نفسه، وبالتالي فهو لا ينسجم أبداً مع منطق الحرب الذي تتبنّاه بعض الأطراف.
ما يميّز الموقف الإماراتي، الجانب الإنساني الذي تجلّى في أكبر عملية دعم مباشر للشعب السوداني خلال سنوات الحرب، فقد نفذت دولة الإمارات جسراً جوياً متواصلاً من المساعدات الغذائية والطبية، فقد كانت المساعدات الإماراتية تُرسل في الوقت الذي كانت بعض الأطراف السودانية تضيق فيه على منظمات الأمم المتحدة وتعرقل وصول المساعدات الإغاثية إلى المدن المنكوبة والمحتاجين.
دولة الإمارات لا تنظر إلى السودان باعتباره ملفاً سياسياً، بل كدولة لها تاريخها ومكانتها، وشعب يستحق أن يعيش بكرامة، لذلك، هي مستمرة في الدفاع عن مسار الهدنة، وفي الضغط الدبلوماسي من أجل فتح الممرات الإنسانية، وفي دعم المسار المدني الذي يمهّد لعودة الدولة السودانية بعيداً عن المشاريع الأيديولوجية.

