: آخر تحديث

إعادة كتابة التاريخ... حتى تاريخنا

1
2
1

نقرأ دوماً عبارة إعادة كتابة التاريخ، ويسأل البعض استنكاراً: أليس التاريخُ صورة الماضي المعلوم، والثابت؟! فكيف تُعاد كتابته؟!

الواقع أنَّ هذه العبارة قانونٌ راسخٌ، وكل يوم يزداد رسوخه، لكن لدى مَن يعلم ذلك من أهل البحث والتقصّي والشغف والدأَب، وليس من كسالى الراضعين من حليب الجمود والصور النمطية والروايات المتحجّرة بمتحف التاريخ.

الجمعة الماضي، أفرج الأرشيف الوطني الأميركي عن مجموعة سِجلّات مرتبطة باختفاء الطيّارة الشهيرة أميليا إيرهارت عام 1937 فوق المحيط الهادئ، تنفيذاً لأمر الرئيس دونالد ترمب برفع السرّية عن جميع هذه السجلات التي تحتفظ بها الحكومة وإخراجها إلى النور.

مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد أعلنت الإفراج عن 4624 صفحة من الوثائق تشمل دفاتر سجلات السفن العسكرية الأميركية المشاركة في عمليات البحث الجوي والبحري عن إيرهارت.

شُوهدت إيرهارت وملّاحها فريد نونان آخر مرة وهي تقلع بطائرتها «لوكهيد إلكترا» ذات المحرّكين في الثاني من يوليو (تموز) 1937 من بابوا غينيا الجديدة متجهة إلى جزيرة هاولاند على بُعد نحو أربعة آلاف كيلومتر، خلال محاولتها للتحليق حول العالم.

يُعتقد أنَّ الطيّارة وزميلها الملاّح ماتا في جزيرة نيكومارورو المرجانية الصغيرة في جزر كيريباس غرب المحيط الهادئ.

هذه الحالة، قِسها على غيرها من الحالات في المفاصل التاريخية الحاسمة، والقضايا الغامضة، منذ فجر التدوين التاريخي، لدى كل أمم الأرض، فكلما انكشفت مجموعة من الوثائق في الأراشيف الرسمية والأهلية، تُعاد كتابة التاريخ على ضوء هذه الكشوفات الجديدة، وهذا من معاني قاعدة «إعادة كتابة التاريخ».

الوثائق ليست فقط في أرشيف الحكومات أو المؤسسات الأهلية، هناك أرشيف الأفراد والناس العاديين، وهذه ثروة كبيرة، وثورة في المعلومات غير مكشوفة حتى الآن، أمّا لماذا يحتفظ الأفراد بأرشيفهم الخاصّ، فتلك قضية يطول الحديث فيها، ويتشعّب.

مثلاً، كتب الشيخ عبد العزيز التويجري، رحمه الله، وهو كان من مستشاري الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، وقيادات الحرس الوطني، لكنَّه إلى ذلك رجل فكر وأدب وسياسة، كتابه الشهير «لسُراة الليل هتف الصباح»، ثم ألحقه بالجزء الثاني «عند الصباح يحمد القوم السُّرى»، وهذا العنوان هو مثل عربي معروف. وفيه نشر مجموعة نادرة من الوثائق عن التاريخ السعودي والملك عبد العزيز، وكان ذلك فتحاً في كتابة التاريخ السعودي، الذي هو الآخر، يسري عليه ما يسري على علم التاريخ كلّه، إعادة كتابة التاريخ، على ضوء المعطيات الجديدة.

شرح هذه القاعدة ببلاغة وخبرة، العلّامة المرحوم عمر فرّوخ في كتابه: «تجديد التاريخ في تعليله وتدوينه... إعادة النظر في التاريخ».

ولولا خوف الإطالة لنقلت نصّه الجميل في هذا السياق.

كم لدينا من مفاجآت في طريق التاريخ إذن.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد