هل العالم أمام حرب قادمة؟ يعود السؤال مجدداً ليطرح نفسه أمام الاستعدادات المُعلنة عن بناء ملاجئ ذكية رداً على تطورات الأسلحة الذكية، وذلك لحماية المدنيين.
الملاجئ الذكية.. الفكرة القديمة نفسها عادت بثياب حديثة. تناولت الصحافة العالمية أخيراً السباقات المحمومة التي غزت العالم في بناء ملاجئ متطورة ضد القنابل والفيروسات والانهيارات والانفجارات الإلكترونية. قوة ردع ذكية تبنى تحت الأرض.. فكل ما يبدو هادئاً فوق الأرض اصطدم بإعلان الدول الأوروبية عن توجه جديد في بناء ملاجئ حماية بتقنية جديدة تحت الأرض، تحسباً لأي حرب عالمية قادمة. الفكرة بسيطة، الحرب لم تُعلن لكنها تُدار في الخلفية، والاستعداد لم يعد سراً، بل سياسة عالمية.
نقطة التحول المدهشة اليوم ليست في الفضاء ووعوده، بل في باطن الأرض. فجأة ظهرت موجة تحديث وبناء ملاجئ عملاقة، مجهزة للنووي والبيولوجي والكيماوي والتشويش على التجسس الذي أصبح أحد أهم الأسلحة الحديثة. وكأن العالم يقول لو اشتعل السطح سننجو من الأسفل.
تصدرت سويسرا الدولة البعيدة عن أي تهديد عسكري، الدول التي تبني أكبر شبكة ملاجئ مدنية في العالم. وتُعلن أنها تكفي جميع السكان. أعلنت بين عامي 2024-2025 عن خطط إصلاح واسعة وتحديث أنظمة تهوية وحماية وأنفقت مئات الملايين لتجديد الملاجئ القديمة بتقنيات حديثة تحمي من كل أنواع الأسلحة بما فيها «الذكية» وطلاء خاص ضد الأسلحة البيولوجية وترسانة ضد الأسلحة النووية. سويسرا ليست في حرب ولا في عداء.. بل دولة مسالمة، لكنها تستعد لتضمن سلامة مواطنيها إذا انهارت قواعد اللعبة. وتبرّر ذلك بقولها: «نحن نشجع التأمين الصحي ليس لأننا نتمنى استخدامه، بل تحسباً لأي طارئ جديد».
ومع سويسرا كذلك السويد أعلنت أنها تعيد تجديد الملاجئ القديمة بالتقنيات الحديثة للحماية من الأسلحة الجديدة المتطورة. كما أعلنت توسيع خطة بناء ملاجئ وأنظمة ترشيح ضد الأسلحة الكيماوية والإشعاعية وذلك ليس لأن الحرب أعلنت، بل لأن العالم أصبح أقل قابلية للثقة.
النرويج بدورها قررت إلزام المباني الكبيرة بوجود ملاجئ حديثة مُحصنة. الدول تنكر إعلان حرب قريبة، لكنها تتسابق في إعلان التحصين منها. وفي كوريا الجنوبية أعلنت سيؤول عام 2025 بناء أول ملجأ مَدني حديث مضاد للنووي والكيماوي بطاقته المستقلة. المشروع ليس عسكرياً، بل مدنياً وهذا مؤشر واضح.. الخوف أصبح شعبياً لا حكومياً. وكذلك حذت حذوها اليابان وقامت بصمت بتشييد ملاجئ صغيرة للإقامة الطويلة.. الكل يعلم أن الكارثة لا تحتاج إلى إعلان.. هي تأتي فجأة.
أما الصين وروسيا فتتعاملان مع فكرة الملاجئ بطريقة مختلفة تماماً، لأن تاريخ كل دولة ونظرتها للحرب شكّلت عقلية خاصة في البناء تحت الأرض. المشهد هنا أوسع وأعمق وأقرب أحياناً إلى مدن كاملة مَخفية. الصين مثلاً تبني الملاجئ بعقلية «السور القديم». شبكة ملاجئ طويلة ضخمة ومتصلة. وتعلن أن لديها ملاجئ تتسع ملايين البشر، فيها مستشفيات ومخازن طعام وشقق مؤقتة كلها مُحصنة ضد الأسلحة الحديثة وضد أنظمة التجسس.. وتحت الأرض. في بكين وحدها توجد شبكة تسمى «المدينة التحتية» بُنيت منذ سنوات وطورت حديثاً. فالصين تَعتبر الملاجئ ضرورة لحماية الأمن القومي.
وأما روسيا فهي مدرسة أخرى تماماً.. هي مزيج بين السوفييت والتقنيات الحديثة. روسيا ورثت فلسفة كاملة من الحقبة السوفييتية: تحضير الشعب لحرب شاملة وليس فقط حماية النخبة. تُعتبر موسكو عاصمة الملاجئ.. لديها أعمقها بقدرة استيعاب مئات الآلاف. كما لديها ملاجئ مُحصنة حديثة في الجبال العميقة والصخور، وفيها مخازن مياه وغذاء وأنظمة توجيه هواء ومضادة للأسلحة الكيماوية. يُعتبر الملجأ الروسي كأنه مُصَمّم لنهاية العالم وليس لأزمة قصيرة.
اللائحة تطول.. لكن المفارقة هنا أن الدول الآمنة غير المُهددة تسعى إلى ضمان أمن شعبها، بينما البلدان العربية، المُهددة والتي عرفت أكثر من حرب تقتصر الملاجئ فيها على أنفاق غير مُحصنة يعدها المقاتلون، بينما بعض الدول لديها القليل للجيوش فقط، أما عامة الشعب فلم يحدث أن طالبت حكومة ببناء ملاجئ تحميه.. على الرغم من أن الكل يعلم أن بناء تلك الملاجئ يمكن أن ينقذ الكثير من الأرواح.
يتحدثون اليوم عن إعادة الإعمار.. ونسأل هل يفيد الإعمار فوق الأرض إن لم يواكب ذلك إعمار ملاجئ مُحصنة تحت الأرض؟
إن كان الهدف حماية المدنيين.. فلنبدأ من تحت الأرض.
فلنبدأ من.. تحت الأرض
مواضيع ذات صلة

