: آخر تحديث

كيف يرى الرؤساء التنفيذيون مستقبل التواصل؟

1
1
1

لم يعد الحديث عن الذكاء الاصطناعي ترفًا مستقبليًا، بل واقع حاضر يتسلّل إلى كل مهمة ووظيفة، و"التواصل" من أكثر المجالات التي تأثرت بصعود الذكاء الاصطناعي، مما يطرح التساؤلات عن مستقبل "التواصل" و"التواصليين" أنفسهم!

قبل أيام حضرت مؤتمر "مستقبل التواصل" في مدينة أوستن الأميركية، ولفت نظري التقرير الذي عرضته الجهة المنظمة بالتعاون مع شركة استشارية، عن رؤية الرؤساء التنفيذيين لمستقبل مهنة التواصل، وأدوارها، والمهارات الواجب توفرها في مختصيها.

ذكر ثُلث المشاركين من التواصليين أن أكثر من نصف أعمال الاتصال لديهم تؤديها أدوات الذكاء الاصطناعي اليوم، غير أن الصادم كان أن 55% -بينهم مسؤولو الاتصال والرؤساء التنفيذيون- يتوقعون أن يتولى الذكاء الاصطناعي معظم أعمال التواصل بحلول 2030! وهذا يعني أن ما نشهده اليوم مجرد بداية تمهيدية!

ورغم أن البعض يعتقد أن ارتفاع الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، سيؤدي إلى تراجع قيمة وظيفة التواصل نفسها، إلا أن النتائج كانت عكس ذلك! إذ قال 83% من الرؤساء التنفيذيين إنهم "يقدّرون جدًا" دور التواصل، وأن هذا التقدير لا يتجه نحو الأعمال التقليدية، بل نحو المساحات الأكثر عمقًا، مثل التواصل الداخلي، الاندماج الوظيفي، ثقافة المنظمة، وذلك لأن تلك المجالات تعتمد على "البشر" أكثر مما تعتمد على "النصوص المولدة"، وتعتمد على الفهم، وعلى الإحساس بالنبض الداخلي، وقراءة العلاقات، وهي أمور لا يستطيع الذكاء الاصطناعي -مهما تدرّب- أن يحاكيها بدقة الممارس.

ونظراً لأن الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن نحو نصف مهارات التواصل سوف تُستبدل بالذكاء الاصطناعي، فهم يرون أن مختصي التواصل يجب أن يركزوا على اكتساب مهارات "هندسة التوليد" وتحليل البيانات، ولكن حينما طُلب منهم تحديد أهم مهارات مختصي التواصل؛ اتفقوا على أن مهارات التفكير الاستراتيجي، والحل الإبداعي للمشكلات، والهدوء تحت الضغط، تأتي قبل إتقان مهارات الذكاء الاصطناعي نفسه!

غير أن المفارقة ظهرت عندنا أفصح 57% من الرؤساء التنفيذيين أنهم يفضّلون أن يكتب خطاباتهم المهمة ذكاءٌ اصطناعي مدرّب على تاريخهم، أكثر من كاتب خطابات محترف لا يستخدم الذكاء الاصطناعي! لكن كيف نفهم هذا التناقض؟ ببساطة، الرؤساء التنفيذيون لا يريدون من مختص التواصل أن ينافس الذكاء الاصطناعي في الكتابة والتحرير أو إنتاج المحتوى، بل يريدون منه قيادة الذكاء الاصطناعي، هم يريدون "التواصلي" مفكرًا، شريكًا، مستشارًا، ومتخذ قرار.

وعلى الرغم من كل ما سبق، فإن 42% من الرؤساء التنفيذيين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي سيخلق وظائف تواصل جديدة! بينما يرى 24% أنه سيؤدي إلى فقدان وظائف حالية، أما التواصليون أنفسهم فكانوا أكثر تفاؤلًا، إذ إن 13% منهم فقط يخشون على وظائفهم.

من خلال قراءة هذه النتائج، يمكن تلخيص مستقبل وظيفة التواصل في نقاط، الأولى: الذكاء الاصطناعي أصبح أداة، وليس ميزة، تماماً مثل توفر حساب آلي في التسعينات، الذي لا يجعلك امتلاكه محترفًا، بل طريقة استخدامك له! الثانية: مهارات الاتصال التقليدية لم تعد كافية، مثل الكتابة والتحدث والبحث، بل أصبحت وظائف مشتركة بين الإنسان والآلة، الثالثة: القيمة الحقيقية لمسؤول التواصل، هي: القُدرة على التفكير الاستراتيجي، الإبداع تحت الضغط، قراءة السياق، توجيه الذكاء الاصطناعي، وليس منافسته.

قد يكتب الذكاء الاصطناعي خطابًا أفضل من "تواصلي" محترف، وقد ينتج حملة أسرع من فريق إبداعي، لكن ما لا يمكن للذكاء الاصطناعي فعله هو: أن يُبصر ما بين السطور، أن يشعر بالإيقاع الداخلي للمنظمة، أن يتخذ موقفًا أخلاقيًا، أن يوازن بين السمعة والتوقيت ومنسوبي المنظمة والمجتمع.

سيظل مستقبل الاتصال في يد البشر، وتحديدًا أولئك الذين يعرفون كيف يستخدمون الذكاء الاصطناعي ليكون قوة مضاعِفة لهم، لا بديلًا عنهم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد