في عام 1955 قررت مصر التي كانت قد دخلت العصر الجمهوري حديثاً بعد مرور أقل من ثلاث سنوات على ثورة يوليو (تموز) 1952، تجديد شباب مدينة القاهرة وإضافة طابع جديد يعكس الروح الوطنية التي كانت في أوج حماستها. ولذلك كان القرار نصب تمثال ضخم للملك رمسيس الثاني في الميدان العتيق الذي يطلق عليه ميدان باب الحديد؛ إشارةً إلى محطة القطارات الرئيسية التي تتقابل فيها قطارات قبلي (الصعيد) مع قطارات بحري (الدلتا). ولقد وقع الاختيار على تمثال الملك رمسيس الثاني العملاق والمنهار من على قاعدته بمنطقة ميت رهينة بالقرب من سقارة. والتمثال كان يطلق عليه «العملاق الواقع»، The Fallen Giant، نظراً إلى سقوطه وسط الحشائش والأعشاب. والتمثال كان موجوداً في موضعه منذ 3300 سنة من كتلة واحدة من حجر الغرانيت الوردي تزن نحو 83 طناً، وهو ما يعادل 20 فيلاً بالغاً! نحته المصري القديم من محاجر الغرانيت بأسوان ونقله عن طريق النيل إلى ميت رهينة لمسافة أكثر من 700 كيلومتر. ويعتقد العلماء أن سقوط التمثال على الأرض كان نتيجة حدوث زلزال قوي أدى إلى تحطيم الجزء السفلي من التمثال.
بالفعل نُقل التمثال إلى ميدان باب الحديد بعد ترميمه ووضعه على قاعدة غرانيتية حديثة أمامها نافورة مياه بديعة. ومنذ اليوم الأول لنصب التمثال في الميدان أصبح يُعرف باسم ميدان رمسيس. ليس هذا فقط بل تحوَّل ميدان رمسيس إلى أشهر ميدان في القاهرة بل في مصر كلها، وكان الناس يضربون المواعيد بعضهم لبعض للقاء عند التمثال بوصفه رمزاً فريداً لا تخطئه العين.
وبمرور الوقت أصبح التمثال يعاني من الزحام وعوادم السيارات واهتزازات القطارات بخاصة مترو الأنفاق الذي يمر أسفله، وكذلك الجسور التي حجبت رؤيته وتحول مكان التمثال إلى كابوس كاد يؤدي إلى كارثة في حال تأخرت الحلول.
كان الحل الوحيد هو نقل التمثال من موضعه إلى مكان آخر. وهناك من اقترح إعادته إلى ميت رهينة، وآخرون اقترحوا ميادين ومواقع أخرى مختلفة. وكالعادة عند القيام بأي مشروع يخرج بعض الناس من أنصار نظرية المؤامرة ومحبِّي الاختلاف لنَيْل الشهرة ولو على حساب بلدهم! خرج هؤلاء ليقولوا إن نقل تمثال رمسيس إنما جاء نزولاً على رغبة إسرائيل نظراً إلى كون رمسيس الثاني هو فرعون النبي موسى (عليه السلام) الذي حاربه وطارده من مصر! بالطبع حديث يكشف فقط عن عقول هؤلاء وفكرهم الضحل.
وبعد سنوات من البحث والدراسة، استقر الأمر على نقل تمثال رمسيس الثاني إلى موضعه الحالي داخل المتحف الكبير ليكون في استقبال الزائرين للمتحف. واستغرق التحضير لنقل التمثال أكثر من ثمانية أشهر بواسطة مهندسي «المقاولون العرب» برئاسة الصديق العزيز إبراهيم محلب في ذلك الوقت. أما عملية النقل فقد استغرقت عشر ساعات رحل خلالها التمثال مسافة نحو 25 ميلاً من ميدان رمسيس حتى المتحف الكبير. وأذكر أن الفنان العظيم فاروق حسني، وزير الثقافة في ذلك الوقت، قال لي: «أعلم جيداً أنه لو حدث لا قدَّر الله وسقط التمثال في أثناء النقل فسأفقد منصبي في الحال!»، وكان ردِّي بكل ثقة: لا تقلق سيصل الملك سالماً. وبالفعل في مساء يوم 25 أغسطس (آب) سنة 2006، تحرَّك تمثال رمسيس الثاني من موضعه وكان الناس يصطفون على جانبَي الطريق لتحية الملك والتقاط الصور، والملايين من المصريين يتابعون الحدث من خلال شاشات التلفزيون.
بعد أن تحرك التمثال أمتاراً عدة تركتُ المكان متوجهاً إلى منزلي لأنام مطمئناً، وفي صباح اليوم التالي وتحديداً في تمام السابعة صباحاً كنت في ميدان الرماية في شرف استقبال رمسيس الثاني ومعي فاروق حسني ومئات الصحافيين والإعلاميين.