سهوب بغدادي
إن أمامنا جيلاً يعرف الكثير في وقت مبكر وقصير، فيحملون هواتف أو أجهزة لوحية تحتوي على إجابات لكل الأسئلة التي تخطر على بالهم، إلا أنهم يقفون مرتبكين أمام أسئلة شخصية تنعكس عليهم ومنهم بشكل مباشر:
من أنا؟ ماهدفي في الحياة؟ وماذا أريد؟ ولماذا أشعر بالفراغ والوحدة؟ قد تكون تلك الحالة تندرج ضمن وهم المعرفة فكثرة المعلومات الغامرة لا تعني الفهم.
فالمعرفة السريعة تخلق شعورًا زائفًا بالثقة المؤقتة دون تفعيلها في مواطنها العملية، فهنا انتقل البعض من التعلّم إلى الاستهلاك المعرفي، فكل شيء سريع ولحظي ابتداءً من المعلومات والأفكار المعلبة وصولًا إلى مقاطع «الشورتس» التي توهم العقل بالاستيعاب الواهي، فإن كانت المحتويات التي يتعرضون لها مفيدة في غالبيتها، إذن لماذا لا تتحول إلى حكمة وتنعكس على مدى نضجهم ووعيهم؟ باعتبار أن سن النضج لايتوقف عن التباعد شيئًا فشيئًا، فإن غياب التجربة العميقة للمواقف والأفكار ينتج عنه انفصال الواقع الواقعي عن الواقع الافتراضي بما يحويه من إيجايبيات وفضائل، فالجيل فقد الصبر الذهني وربما الفعلي للحصول على الزبدة والاختصار، عوضًا عن التأمل والتفكر في الحلول، بل إن البعض يرفض ذلك لتلافي الوقوع في الخطأ خاصةً مع تواجد هوية افتراضية لكل شخص يحاول من خلالها إثبات ما يمكن إثباته لذاته..
ربما لا نحتاج إلى معرفة المزيد أو تلك الاختصارات للطرق، بل إلى فهم أعمق، وإنصات أطول، وهدوء من ضجيج افتراضي، وتجربة واقعية محسوسة..
لكيلا نربي جيلًا يفتقر إلى المعنى وسط هذا الفيض الزاخر من المعرفة.

