صيغة الشمري
تبدو الرياض اليوم وكأنها تعيد تعريف مفهوم «المستقبل» على طريقتها الخاصة، مستقبل تبنى ملامحه عبر الطموح والتخطيط والمبادرة وصنع الفارق، فانطلاق النسخة الأولى من منتدى TOURISE تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- ليس حدثاً يضاف فقط إلى قائمة الفعاليات الدولية، بل خطوة إستراتيجية تعكس التحول العميق الذي تشهده بلادنا في رؤيتها لقطاع السياحة بوصفه أحد محركات الاقتصاد العالمي خلال العقود المقبلة.
الميزة الحقيقية لهذا المنتدى لا تكمن في حجمه ولا في أسماء المتحدثين العالميين الذين تجاوز عددهم 140 شخصية فحسب، إنما في الفكرة الجوهرية التي ينطلق من أجلها، المتمثلة في تحويل الأفكار النيِّرة إلى أفعال. رؤية عملية تسعى إلى تغيير الطريقة التي يُدار بها القطاع عالمياً، من خلال تجاوز الأساليب التقليدية، وفتح مساحة غير مسبوقة لتكامل قطاعات لم تكن تتقاطع يوماً، بهدف خلق منظومة سياحية أكثر ذكاءً واستدامةً وقدرةً على مواجهة التحديات.
وأكثر ما لفت انتباهي هي كلمة وزير السياحة أحمد الخطيب عندما أكد أن TOURISE لا تعد «فعالية» فحسب، إنما «منصة عمل مشتركة». مما يجعل السياحة صناعة متكاملة تتطلب مهارات جديدة، واستثمارات فاعلة، وتكنولوجيا متقدمة، وبنية تحتية قادرة على دعم تدفق ملايين المسافرين.
وعندما قرأت محاور الملتقى وجدت التركيز منصباً على الذكاء الاصطناعي، الاستدامة، وابتكار نماذج الأعمال، وهو ما يضع قطاع السياحة العالمي أمام واقع جديد يقول إن من يريد المنافسة في المستقبل عليه إعادة بناء تجربته من الأساس، لأن المسافر اليوم لم يعد يبحث عن وجهة فقط، بل عن قيمة وتجربة نوعية. أما الإعلان عن جوائز TOURISE فهو رسالة أخرى مفادها أن المستقبل السياحي سيكون عبر المدن والوجهات القادرة على بناء جسور ثقافية بقيَم جديدة تتجاوز الحدود الجغرافية.
وفي تقديري، ما تشهده الرياض اليوم يشكِّل انطلاقة مشروع عالمي واسع التأثير، يعيد بناء قطاع السياحة من أساسه ويحدث تحولاً حقيقياً في الطريقة التي يتعامل بها العالم مع اقتصاده وثقافاته وأساليب تفاعله الإنساني، فما يجري يعكس إرادة واضحة لإعادة صياغة المستقبل برؤية مختلفة. وإذا كان شعار المنتدى يشير إلى «خطوة ضخمة مستقبلية»، فإن الواقع يخبر بتحول عميق يتجاوز تطوير السياحة كصناعة ليجعلها ركيزة مؤثِّرة في منظومة اقتصادية وثقافية عالمية أكثر انفتاحاً وابتكاراً وتكاملاً، يحق لنا أن نفخر بهكذا فعالية عالمية تنافس على حضورها أهم صنَّاع القرار في هذا المجال.

