انتهت المعركة الانتخابية في العراق والتي تخللتها بعض الخروقات هنا وهناك، ففاز فيها من فاز، خسر من خسر، ولعله ندم من ندم على التسرع في إصدار المواقف، ومن ندم على محاولة شراء الذمم، وقد تحاول الفئة الأخيرة تعويض الخسائر على البهرجات المهدورة قدر المستطاع، وربما ستفكر باسترجاع الهبات التي منحتها لبعض المواطنين المعدمين ولكن دون جدوى، ومنهم من ندم على خطواته اللامدروسة إزاء التحالفات التكتيكية قبيل العملية الانتخابية، ومن شبه المؤكد أن النتائج الأولية التي أعلنتها مفوضية الانتخابات العراقية ستخضع لحسابات دقيقة من قبل الجهات الحزبية داخل كلّ مكون، وبين مكون وآخر، للبدء بتشكيل تحالفات قوية ممثلة بالكتلة الأكبر التي تؤول إليها مهمة تسمية رئيس الوزراء العراقي المقبل، والتي لاحت تباشيرها من خلال الزيارة المقررة لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى أربيل.
فبعد فترة من الصراع المؤقت على المقاعد النيابية في بغداد، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل المهرجان الحماسي، من المتعارف عليه أخلاقياً أنه في خواتيم الفصول الحساسة أمام الجمهور، وفي التصفيات النهائية لبعض الأمور، غالباً لا يضر إلا نفسه ذلك الذي يلجأ للأساليب الملتوية ويختار في المنافسة مع الآخرين الوسائل اللاشرعية، وبهذا الخصوص فمن فداحة تصرفات البعض في الظروف الاستثنائية عندما يأخذ بلبهم هوس المبارزة، ممن يختارون الطرق التي عادة ما تطالهم عواقبها قبل الغير جاء في الأمثال السورية ما يناسب أوضاعهم تماماً، ويكاد يكون فحوى المثل مخصصاً لهم، حيث قيل في هذا الصدد: "نكاية في الطهارة شخ في لباسه".
إذ إنَّ السياسيين الذين نكاية بالحزب الديمقراطي الكوردستاني راحوا بلا أي احتشام يطالبون أنصارهم بالتصويت لقوائم معادية لحكومة إقليم كوردستان، ليس فقط لم يفلحوا في مسعاهم القائم على الكيد والتشفي، وإنما فوقها خسروا أيضاً كوادر قيادية من تنظيماتهم السياسية، ومنه على سبيل الذكر، فقد أعلنت رئيسة قائمة الاتحاد الوطني الكوردستاني في محافظة دهوك، إيمان عبد الرزاق، انسحابها من الاتحاد الوطني وانضمامها إلى صفوف الحزب الديمقراطي الكوردستاني، بعدما كشفت عن وجود تعليمات داخل الاتحاد الوطني للتصويت لمرشح الكوتا المسيحي المدعوم من ريان الكلداني، وهو ما رفضته بشكل واضح، كما أعلن بزار شيخ عبيد، النائب الأول لرئيس المقر الرابع للاتحاد الوطني الكوردستاني في دهوك، مغادرته للحزب بعد 36 عاماً من الخدمة، وانضمامه إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، موضحاً أن سبب قراره هو: "أن كبار مسؤولي الحزب طلبوا منا التصويت لمرشح ريان كلداني في دهوك بدلاً من مرشحي الاتحاد الوطني الكوردستاني".
فبهذه الخطوات اللامحسوبة والتي اتسمت بالمجازفة والخروج عن ثوابت الحزب نفسه، فإن بافل طالباني بدلاً من أن يسرق أصوات أهالي دهوك ويعطيها للكلداني في نينوى نكاية بالحزب الديمقراطي، قام بتفتيت هيكل حزبه في محافظة دهوك، في الوقت الذي لم يستطع فيه تعزيز موقف الكلداني أو إعمار بنائه الميليشاوي، وحيال ذلك فيظهر بأن بعض الساسة بناء على سلوكياتهم لا يجيدون الرقص على الحبال فحسب، وليس لهم القدرة على التلون بين ليلة وضحاها فقط، وإنما حتى العمل على طريقة الأطفال أو المراهقين أو المتخلفين والمتخلفات ليس بعيداً عنهم، وذلك من خلال تعويلهم التام على مذهب النكاية بالغير عوضاً عن اتخاذ المسلك السليم في العمل السياسي خلال الأيام العادية وبوجه خاص إبان السباق الانتخابي، أو التصرف بناء على برنامجهم وأحجامهم الحقيقية أو الإقرار لاحقاً بهزائمهم أو الاعتراف بعدم صوابية تصوراتهم.
وفي الجانب الآخر، فبالرغم من تعدد الجهات الداخلية والخارجية التي حاولت التآمر على الحزب الديمقراطي الكوردستاني إلا أنه مع كل الكيد والمداهنة من قبل هذا الفريق وذاك بقي الحزب المذكور الفائز الأكبر في شنكال والموصل إضافة إلى مراكز ثقله بمحافظات الإقليم، كما أنه بالرغم من معرفته بالذين يحيكون المؤامرات ضده، فلم يستخدم السلطة في تحقيق مآربه، ولا حارب خصومه من خلال القوة التي يمتلكها في أكثر من ميدان، كما لم يلجأ لأسلوب الخداع والتآمر، ولا عمل على شراء الذمم عبر آلية توزيع بعض المنتجات للمحتاجين قبيل العملية الانتخابية لكي يختاروا الجهة التي منحتهم تلك البضائع، إنما كان وما يزال يعول على برنامجه ومشروعه وعدم التردد في الذي يستطيع تقديمه للناس على أرض الواقع على مدار السنة، بل ومن باب ثقته بجمهوره لا يلجأ كبعض الساسة إلى تخديره بالشعارات الرنانة وإمطاره بالأوهام والوعود الكاذبة التي تتلاشى فور انتهاء العملية الانتخابية، إنما تراه متخذاً طريق الاستقامة في الأداء كعقلية سياسية، ومنهج عمل، واستراتيجية طويلة الأمد، أما فيما يتعلق بالتعامل مع أصحاب الحيل والدسائس تراه متمثلاً قول المصريين: "امشي عدل يحتار عدوك فيك" أي السير في درب الاستقامة والعدل في آن واحد، وهو ما يدفع المغرضين للتخبط ويجعل المناوئين في حيرة أمرهم.


