لا شك أن الكتابة عن مواقع التواصل الاجتماعي بمختلف أشكالها ومنصاتها، تأتي في المرتبة الأولى بين مختلف الملفات والمجالات، وهو أمر منطقي جداً، فهي تكاد تُسيطر على كل ملامح وتفاصيل حياتنا الصغيرة والكبيرة. وتُعتبر مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، من أهم الوسائط والوسائل التي تقود الفكر العام والوعي الجمعي، فضلاً عن المزاج والذائقة الفردية في كل مجتمعات وشعوب العالم، كل العالم، كما تُعدّ من أهم مصادر المعرفة والثقافة في عصرنا الراهن.
في هذا المقال، سأحاول قدر الإمكان، ملامسة أحد الجوانب المهمة التي لا يكتب عنها كثيراً حول مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها منصات وشبكات تُنتج المحتوى الثقافي أو تُشارك في نشره والترويج له. نعم، المآخذ والاتهامات التي تنال من خطورة وتأثير هذه الشبكات والمنصات الاجتماعية كثيرة وكبيرة، ولكن هذا لا يلغي أبداً الخدمات والإسهامات التي تُقدمها للمستخدمين وللمجتمعات بشكل عام.
والكل يتفق تقريباً على أن مواقع التواصل الاجتماعي الآن، من أهم "مصادر الثقافة الحديثة"، ذلك هو الواقع الجديد الذي فرضته طبيعة وظروف المرحلة الراهنة التي شكّلتها وصاغتها "ثقافة العولمة الكونية" والتي جعلت من هذه المنصات والشبكات والمواقع الخيار المفضل عند الأغلبية من شرائح وفئات المجتمعات، العربية والغربية. والصعود الثقافي الجديد عبر هذه الوسائط والوسائل لا يلغي وجود وتأثير الأشكال والأساليب التقليدية التي مازالت تُنتج وتنشر المحتوى الثقافي بمختلف عناوينه وألوانه، هما في سباق محموم منذ ثلاثة عقود تقريباً، ولكل طرف منهما الكثير من المؤيدين والكثير من الرافضين، وهو أمر طبيعي جداً، فهناك العديد من الأجيال الجديدة التي تتماهى مع منتجات العولمة الثقافية التي تتناسب مع مزاجها العام طريقتها في التفكير، بينما تُفضّل الأجيال الأخرى تلك الطرق والأشكال الكلاسيكية / التقليدية في الثقافة والأدب.
قبل مدة، قرأت خبراً لإحدى المؤسسات الثقافية الفرنسية الشهيرة والتي تطرح مسابقة أدبية في كتابة "القصة القصيرة جداً"، وهي نوع حديث من الأدب انتشر في الفترة المعاصرة بشكل واسع وأصبح نوعاً سردياً قائماً بذاته وحجمها أصغر من القصة القصيرة المعتادة وقد لا تتجاوز بضعة أسطر وأحياناً قد لا تكون أكثر من سطر واحد. وقد دُهشت حينما كان من بين شروط هذه المسابقة، أن يكون حجم القصة القصيرة جداً -أي عدد حروف كلماتها- لا يزيد على عدد حروف موقع تواصل اجتماعي شهير، إضافة إلى أن كل القصص القصيرة جداً التي ستُنافس في تلك المسابقة يجب أن تُكتب / تُنشر في صفحة المسابقة في ذلك الموقع أيضاً لتكون المنافسة الأدبية الرقمية أكثر شفافية بمشاركة كل المتابعين لحساب المسابقة في ذلك الموقع.

