: آخر تحديث

الطوارئ في سورية ضرورة لا خيار.. حين تُهدِّد الأكاذيب الدولة

1
1
1

رامي الخليفة العلي

القضية الأخيرة التي أثارت الجدل في سورية كانت قضية السيدة نغم عيسى، التي أُعلن قبل ستة أشهر عن اختفائها وسط اتهامات وُجّهت – صراحة أو ضمناً – إلى أجهزة الأمن السورية بأنها وراء الحادثة. إلا أن المفاجأة جاءت لاحقاً حين تبيّن أن السيدة المذكورة ما تزال على قيد الحياة وأنها تقيم في لبنان، وأن اختفاءها لم يكن سوى جزء من مؤامرة مدبرة لأهداف شخصية وسياسية في آن معاً، تستهدف بالدرجة الأولى تشويه صورة الدولة وإضعاف ثقة المواطنين بها. هذه الحادثة ليست استثناءً، بل أصبحت جزءاً من نمط يتكرر في الأسابيع الأخيرة، خصوصاً من قِبل أطراف معارضة أو متضررة من الحكومة الحالية، تسعى لإظهار سورية وكأنها دخلت مرحلة الفوضى الكاملة، ولزرع الشك في قدرة الدولة على ضبط الأمن وحماية المجتمع. ومع أن تلك الحملات الدعائية تسعى بوضوح إلى تدمير ما تبقى من استقرار، إلا أن المسؤولية لا تقع بالكامل على خصوم الإدارة الحالية، فالحكومة السورية نفسها تتحمّل جزءاً من العبء؛ لأنها لم تتعامل بالصرامة المطلوبة مع تكرار هذه الحالات، ولم تُظهر الحزم اللازم في تطبيق القانون أو في ملاحقة الذين يستخدمون الإعلام وسيلة لتضليل الرأي العام وإشعال الفتنة. إن أي نظام، مهما كانت عيوبه أو أخطاؤه أو حتى مظالمه، يظل في نهاية المطاف أفضل من حالة الفوضى التي تُفقد الدولة معناها وتُهدد حياة المواطنين ومصيرهم. التجربة السورية أثبتت أن غياب الانضباط القانوني، ولو لفترة قصيرة، كفيل بفتح أبواب الجحيم أمام الطائفية والعنصرية والانقسامات الاجتماعية. واليوم، مع تعدد الجهات الداخلية والخارجية التي تعبث بأمن البلاد، بدأ الإحساس العام لدى كثير من السوريين يميل إلى أن ثمة حالة من التسيّب والتراخي في تطبيق القوانين وفي ملاحقة المجرمين، ما يشجع آخرين على استغلال هذا المناخ المنفلت لخدمة أجنداتهم السياسية أو الطائفية. إن أخطر ما في هذه الظاهرة هو أنها لا تقتصر على تقويض ثقة الناس بمؤسسات الدولة، بل تتعداها إلى ضرب السلم الاجتماعي في الصميم، إذ غالباً ما يجري تقديم حالات الخطف أو الاختفاء وكأنها تستهدف فئات مذهبية أو طائفية معينة، مما يزرع بذور الكراهية والشك بين مكوّنات المجتمع السوري. هذه الفبركات الإعلامية لا تقتل الأفراد فحسب، بل تقتل الثقة التي تشكّل أساس التعايش الأهلي. يضاف إلى ذلك حالة الانفلات الإعلامي، إذ أصبحت بعض الوسائل الإعلامية المحلية والخارجية تمارس التحريض المكشوف، فتتحدث بخطاب طائفي وعنصري تحت ذريعة «الحرية الإعلامية»، في حين أن الحرية الحقيقية لا تنفصل أبداً عن المسؤولية، ولا يجوز أن تتحوّل إلى غطاء لتدمير النسيج الوطني أو للتحريض على الكراهية. من هنا، فإن الظروف الراهنة في سورية باتت تستدعي إعادة النظر جذرياً في السياسات الأمنية والإعلامية، بل وتفرض – من وجهة نظر قانونية وسيادية – إعلان حالة الطوارئ، وربما حتى فرض الأحكام العرفية في مناطق محددة ولمدة محددة، حمايةً للوطن والمجتمع من الانزلاق نحو الفوضى الشاملة. ليست حالة الطوارئ انتقاصاً من الحريات العامة بقدر ما هي وسيلة قانونية استثنائية تُمكّن الدولة من التصدي للأخطار غير العادية، خصوصاً في ظل أوضاع كالتي تعيشها سورية اليوم، إذ تتقاطع الأزمات الداخلية مع تدخلات إقليمية ودولية واضحة. لقد آن الأوان لأن تُظهر الدولة السورية، بمؤسساتها كافة، أن هيبتها ليست شعاراً بل واقع ملموس، وأن القانون ليس مجرد نصوص جامدة بل قوة رادعة لكل من يعبث بالأمن أو يستخدم الكذب الإعلامي سلاحاً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد