: آخر تحديث

لصحتنا واقتصادنا قلصوا مركّبات السعال

1
1
1

يوماً بعد يوم تفضح الأبحاث والدراسات العلمية ممارسات كثير من شركات الأدوية وحرصها الشديد على الكسب حتى لو تعارض مع المنفعة والصحة، وفي هذا الصدد نشر باحثون وأكاديميون نزهاء كتبا ومؤلفات ومقالات علمية، وفي المقابل فإن شركات الأدوية تنفق الملايين على التسويق لمنتجاتها وشراء الذمم لوصفها أو التشجيع على شرائها إذا كانت من الأدوية التي تباع دون وصفة، والمستحضرات المركبة للسعال أحد أشهر الأمثلة لخليط غير منطقي صيدلانيا يجمع عقاقير أو مركبات بعضها متعارض التأثير والبعض الآخر لكل مادة منها تأثير مستقل لا يحتاجه المريض خاصة من لديه أعراض التهاب فيروسي سيزول من نفسه خلال أيام أو أسبوع، والأعراض الجانبية لتلك المواد وتأثيراتها على بعض أعضاء الجسم (خاصة الكلى والكبد) تفوق كثيرا الفائدة منها في إيقاف عرض مؤقت.

ويعارض كثير من علماء الصيدلة المحايدين والنزهاء تواجد تلك المواد المتعددة في زجاجة واحدة أو كبسولة واحدة، وسوف آتي على ذكر المبررات المنطقية لهذا الرفض لاحقا، كما أن كثيرا من الأطباء، خاصة أطباء الأطفال حول العالم، نشروا أوراقا علمية في مجلات طبية متخصصة عن مشاهداتهم لأضرار وخيمة لوجود مركّبات دوائية متعارضة أو مذيبات في أدوية السعال أدت إلى تلف في الكلى وسببت الوفاة في عدة دول.

وأذكر أننا (عدد من الصيادلة السعوديين) أثناء عملنا في مستشفى الملك سعود (الشميسي)، حيث كنت محاضرا بكلية الصيدلة ومطلوب مني قضاء عمل مسائي في مستشفى حكومي للحصول على بدل التفرغ، كنا قد كتبنا لوزارة الصحة (قبل إنشاء هيئة الغذاء والدواء) نقترح تقليص شراء أدوية السعال والزكام المركبة لعدم الحاجة لذلك الكم الهائل من المستحضرات المركبة ولأضرارها، أما هيئات الدواء والغذاء في العالم فمجبرة على تسجيلها بإلحاح من الشركات المنتجة، لكن الجهات الصحية سواء وزارة الصحة أو أي جهة صحية أخرى غير مجبرة على شرائها.

ولأن هذا المقال أكتبه للعموم وفي صحيفة سيارة فمن الأفضل ألا أذكر أسماء بعض المواد والعقاقير فذكرها قد يعرف بها أكثر، خصوصا أننا وخلال أربعين سنة مضت من التدريب في صيدلية خاصة أو العمل في المستشفيات رأينا صورا مؤلمة وحوادث لعمالة وافدة أو شباب وشابات مواطنين أدمنوا استخدام زجاجات أو جرعات كبيرة من تلك المستحضرات المركبة لعلمهم بوجود مركب منوم أو مهدئ، وقد أبلغنا عن ذلك في حينه، وتم ولله الحمد تشديد المراقبة على وصف وصرف تلك المستحضرات وإدخالها ضمن الأدوية المقيدة والخاضعة لنظام مكافحة المخدرات التي لا تصرف إلا بوصفة خاصة مشددة الرقابة والحصر.

وكما وعدت آنفا فإنني سوف استشهد ببعض مستحضرات الخليط الدوائي الثلاثي أو الرباعي ذاكرا تأثير عناصر الخليط دون اسم العنصر، لا العلمي ولا التجاري، ومن أكثر الأمثلة الرائجة للأسف خليط رباعي من مثبط السعال ومضاد الهستامين ومزيل الاحتقان وطارد للبلغم وهذه العناصر فيها الكثير من التعارض المعروف، فمثلا (وبدون إسهاب) فإن مضاد الهستامين من تأثيراته الجفاف، بينما أنت تحتاج لما يساعد الترطيب لطرد الإفرازات، كما أن مثبط السعال سيعيق عمل طارد البلغم وستكون النتيجة مزيدا من الانسداد وتراكم الإفرازات، كما أن مزيل الاحتقان من آثاره زيادة سرعة ضربات القلب ورفع ضغط الدم، ومع مثبط السعال فإن السعال المفيد لإخراج الإفرازات سيفقد ويزداد الالتهاب وستحمل القلب حملا أكبر بكثير خاصة لدى الرضع، ناهيك عن الآثار الجانبية لكل عنصر في الخليط وتراكم هذه الأضرار وتعاونها على المريض، هذا مجرد مثال وشرح مختصر لخطورة ذلك الخليط.

أما المثال الأعجب فهو رواج خليط ثلاثي لمسكن ألم يحتوي على الباراسيتامول (وهذا مسكن وخافض حرارة تقليدي معروف) لكن مضاف إليه مهدئ لن أذكر اسمه، ومنبه لن أذكر اسمه، وعجبا كيف يجمعون منبهًا ومنومًا معًا، وإذا عرف السبب بطل العجب، والسبب هو الترويج لمستحضر جديد له نفس مفعول الباراسيتامول مع إرباك شديد للمريض فهو لا يعرف هل هو نائم أم متنبه!

محصلة القول إننا كبلد متقدم يزخر بالعلماء في مجال الصيدلة لسنا في حاجة لشراء وتأمين تلك المستحضرات والمخاليط المتناقضة حتى لو سجلناها، وذلك من أجل صحتنا واقتصادنا معا، وعلينا عدم تأمين وشراء إلا ما نحتاجه ويفيدنا بعيدا عن مغريات وترويج شركات ووكلاء الدواء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد