القضية السورية المتعلقة برفع العقوبات ما تزال من أكثر الملفات تعقيدًا في المشهد الدولي، إذ تحمل هذه الخطوة مخاطر كبيرة إذا لم تُربط بإصلاحات سياسية واقتصادية وأمنية حقيقية. فالعقوبات ليست مجرد قيود اقتصادية، بل أداة ضغط أساسية يستخدمها المجتمع الدولي لإجبار النظام على الالتزام بتغيير ملموس، وليس الاكتفاء بخطابات سياسية وشعارات مثل "سوريا لكل السوريين" التي لم تُترجم إلى واقع فعلي.
تشير تقارير البنك الدولي إلى أن العقوبات المفروضة على سوريا تستهدف بشكل أساسي أفرادًا وكيانات متورطة في جرائم حرب وانتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان، وليست عقوبات شاملة على الشعب السوري. ويؤكد مسؤول اقتصادي في البنك الدولي أن رفع هذه العقوبات بشكل غير مشروط "سيمنح النظام موارد إضافية لتعزيز أدوات القمع الداخلي بدلًا من توجيهها لإعادة الإعمار أو تحسين معيشة المواطنين".
رفع العقوبات بشكل كامل ودون شروط صارمة يعني عمليًا إعطاء النظام ضوءًا أخضر لمواصلة سياساته القمعية، خصوصًا تجاه الأقليات التي تعاني من انتهاكات متكررة. ما شهدته مناطق مثل السويداء والساحل من أعمال عنف وتنكيل، تورطت فيها جهات أمنية وعسكرية، يوضح أن غياب الرقابة الدولية سيؤدي إلى تكريس القمع. وفي هذا السياق، أشار المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم براك، خلال لقائه مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، إلى "الصور والشهادات الموثقة لانتهاكات ارتكبها عناصر من الجيش والأمن ضد الأقليات، بما في ذلك الدروز في السويداء والعلويين في الساحل". هذا الطرح يعكس شكوكًا أميركية جدية في قدرة النظام على ضبط قواته أو التخلص من البنية الأمنية التي ما تزال تحتضن عناصر مرتبطة بالتطرف.
يرى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون أن رفع العقوبات يجب أن يكون مشروطًا بخطوات عملية واضحة، أبرزها صياغة دستور جديد يضمن مشاركة جميع مكونات الشعب السوري، وكفالة حقوق الأقليات الدينية والطائفية وضمان حرياتهم، وتنفيذ إصلاحات سياسية حقيقية تتيح مشاركة عادلة في الحكم، ووقف الانتهاكات الأمنية والعنف الممنهج ضد المدنيين، ومحاربة الإرهاب والتطرف بشكل فعلي، وبناء مؤسسات دولة شفافة قادرة على حماية التنوع السياسي والاجتماعي. ويؤكد مسؤول في الاتحاد الأوروبي أن "العقوبات تمثل الأداة الوحيدة المتبقية للضغط على النظام السوري، ورفعها دون مقابل سيُنظر إليه كمنح النظام شرعية مجانية لممارساته القمعية".
رفع العقوبات عن سوريا قد يكون خطوة ضرورية لإعادة بناء الدولة وفتح الباب أمام الاستقرار، لكنه لا يمكن أن يتم إلا ضمن إطار إصلاحي شامل يضمن حماية حقوق الأقليات والحريات العامة. أما رفعها بشكل كامل ودون شروط، فسيعني إعادة إنتاج نظام قمعي لا يحترم سوى سلطته، ويمنح أدوات إضافية لممارسة العنف والتنكيل. العقوبات، رغم كلفتها، تبقى السلاح الأهم بيد المجتمع الدولي لدفع النظام نحو التغيير الحقيقي، وتحقيق سلام مستدام يضمن العدالة لجميع السوريين.
هذا الطرح يعكس التوازن بين الحاجة إلى إعادة الإعمار ورفع المعاناة عن الشعب السوري، وبين ضرورة منع النظام من استغلال رفع العقوبات لإعادة ترسيخ سلطته القمعية.