دخل قاموس المأساة العربية الكبرى تعبير جديد في وصف عناصر الكارثة: الانتظار.
تستخدم عبارة انتظار ومشتقاتها في وصف الازدراء الكلي لآلاف البشر المعنيين مباشرة بالصراع، لكن أحداً لا يأخذهم في الاعتبار. مثلاً: الوساطة في غزة. يؤخذ في الحساب نتنياهو وزمرته. أما ضحاياه فلا ذكر لهم. إنهم على لائحة الانتظار.
مثل آخر: هناك نوع، أو فئة أخرى من الشهداء. على اللائحة كل يوم أعداد الذين يقتلون وهم في انتظار وجبة الطعام. لا يستطيع هؤلاء أي شيء سوى الانتظار، متلهفين لصحن من البرغل. أحياناً تصل الرصاصة قبل البرغل، أو قبل زجاجة المياه، أو قبل الوضوء، وكل ما يحق «للمنتظرين» في هذه الحال أن تعلن وزارة الصحة عددهم وعدد الأكفان التي يحتاجون إليها.
ناس تنتظر القوافل الممنوعة، وناس تنتظر اجترار الوساطات، والوسطاء، وناس تنتظر أن يخجل هذا العالم بعقمه وعنته. ويحاول أن يحرك عضلة في قلبه، لكن يأتيهم بدل ذلك 50 ألف عسكري إسرائيلي إضافي من الاحتياط، وموافقة من «الكابينت» على احتلال أشباح الأسمنت في غزة، وصور تذكارية من وزير الدفاع مجتمعاً مع أركانه الباسمين.
في الانتظار، يأتي مقترح ويذهب آخر، وبينما لا يزال المقترح على الطريق يعلن نتنياهو رفضه طرباً وغضباً. الجميع في انتظار نتنياهو، ونتنياهو في انتظار الدفعات الإضافية من المجندين، والترتيبات لنقل مليون غزي من الشمال إلى الجنوب، ومن الشمال إلى الغرب، من أجل أن يعيدهم غداً من الغرب إلى الشرق، جائعين، ويقتلون، في طوابير الانتظار.
قدّم نتنياهو لأهل غزة حتى الآن جميع أشكال الموت والعذاب، أقساها الانتظار، انتظار دورك في ختام الجحيم بعد التعذيب الكامل.
وخلال ذلك، لا شيء سوى الانتظار، انتظار المزيد من الانتظار، سواء من «حماس»، التي لا نعرف ماذا ولماذا تنتظر في التفاوض، أو الجزار الذي يتفنن في تعذيب غزة وإذلال العالم أجمع.