محمد مفتي
يعد مجال التحليل السياسي من أكثر المجالات المعنية بالغوص في التفاصيل للوصول لأسباب مقنعة لحدوث ظاهرة أو حدث ما في بقعة جغرافية معينة خلال زمن محدد، ولفك الارتباط بين تلك الظاهرة وبين أسبابها ونتائجها لتحليلها بالعمق الكافي يتعيّن على المحلل السياسي أن يستعين بمجموعة واسعة ومتنوعة من الأدوات التحليلية، ولعل أهمها الإلمام الكافي بالوقائع التاريخية التي تسبّبت في وجود هذه الظاهرة، ولذلك فالتحليل السياسي الرصين هو أبعد ما يمكن عن استخدام الشعارات الرنانة والمفاهيم الشعبوية التي لا تهدف إلا لتأسيس خطاب لا يمت للواقع بصلة.
قبل عدة أسابيع اتخذ مجلس الوزراء اللبناني قراراً يقضي بضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يعني أن أي ميليشيات عسكرية أو الفصائل المسلحة يتعيّن عليها تسليم سلاحها والانضواء تحت راية الدولة بشكل رسمي ونهائي، وهو القرار الذي يجب أن تُبنى عليه دعائم الدولة اللبنانية، غير أنه في الوقت الذي رحّبت فيه غالبية الأطراف بهذا القرار الحكيم، أثار هذا القرار نفسه حفيظة حزب الله الذي رفض المقترح شكلاً وموضوعاً، بل وصعّد الأمر بالتلويح بأن هذه الدعوة تنطوي على خيانة مضمرة، وقد صعّد حزب الله لهجته ملمحاً بأنه في حال إصرار الدولة اللبنانية على تنفيذ هذا القرار بالقوة فإن الأمر قد يتطوّر إلى حرب أهلية ستندلع حتماً بين أبناء الشعب اللبناني الواحد، وهو ما أثار بدوره موجة من الاستياء الشديد، ولا شك أن التهديد باندلاع حرب أهلية داخلية في لبنان يلقي بالكثير من علامات الاستفهام عن دور هذا الحزب تحديداً ليس في لبنان فحسب، بل في كامل المنطقة العربية.
غير أن أهم سؤال يطرح نفسه هو: لماذا؟ لماذا يصر حزب الله على التغريد خارج السرب ويرفض بهذا الشكل القاطع الانضواء تحت سلطة الدولة الرسمية؟ لِم يحرص على الاحتفاظ بكامل سلاحه؟ أما السؤال الأهم فهو: لمن يوجه حزب الله سلاحه؟ هل يوجهه ضد جهات خارجية فعلاً أم أنه يسعى للاحتفاظ بوضع مميز يمكِّنه من تنفيذ أهداف تخدم أجندة بعض الأطراف الخارجية؟.
لو نظرنا للموضوع بنظرة أكثر دقة وموضوعية فسنجد أن موقف حزب الله لا يمكن أن تقبله أي دولة في العالم ذات سيادة، فلا يمكن أن تقبل دولة بوجود فصيل مسلح فوق أراضيها يتحدى قرارات الحكومة، ومن الواضح أن دعوة الحكومة اللبنانية لحزب الله لكي يسلم سلاحه لا تعني إقصاءه من الحياة السياسية، فحزب الله هو فصيل سياسي، لذلك فالسؤال هنا: هل يصر حزب الله على حيازة سلاحه ليتحدى الحكومة المركزية ويفرض قراراته عنوة عليها ؟ إذن ما الفرق بينه وبين العصابات المسلحة في أي دولة مفككة؟ أم أنه مصر على امتلاك سلاحه تنفيذاً لأوامر جهات خارجية مسؤولة عن دعمه وتمويله؟ لمن ينتمي حزب الله؟ وهل هو أداة في يد جهات خارجية أشبه بقوات احتلال وهو ذراعها المحلي؟ هل يحتفظ حزب الله بسلاحه أملاً في عودة النظام السوري البائد، ويريد قمع مناهضي هذا النظام من خلال أسلحته وميليشياته؟.
هل يريد تحرير مزارع شبعا أو غيرها؟ ألم يأن الأوان بعد لأن يعترف الحزب بفشله في تنفيذ ما يزعم، فبعد أربعين عاماً من عمر هذا الحزب لاتزال مزارع شبعا محتلة، ولعل انخراطه في دعم نظام بشار الأسد البائد قبل سقوطه يوضح حقيقة ولائه، ولعل أكثر الأسئلة معقولية في هذا السياق هو لماذا يريد أصلاً حزب الله القيام بمسؤولية الدولة في حماية لبنان وأراضيها؟ أليس تحرير الأرض وحماية الشعب هي مسؤولية الدولة متمثلة في حكومتها؟!
وبعيداً عن الشعارات الرنانة والخطب المنمقة، كلما مرت الأيام اتضح أن لهذا الحزب دوراً واضحاً ومحدداً في حياة الدولة اللبنانية، فقد نشأ هذا الحزب وترعرع وتم تمويله وتدريب عناصره ليكون شوكة في خاصرة لبنان تخدم مصالح بعض الدول الخارجية، فالحزب يوجه ولاءه وانتماءه لعناصر خارجية، وهذا التحليل تؤكده الأحداث يوماً بعد يوم، وموقفاً بعد موقف، وفي كل مرة يأمل اللبنانيون منه اتخاذ موقف مغاير يصب في مصلحة الشعب اللبناني نجده وقد انحاز لأجندته الخاصة.