: آخر تحديث

قطاع التأمين.. رهينة منتجين!

1
1
2

يُشكّل قطاع التأمين إحدى الركائز الأساسية في أي اقتصاد حديث، ومع التطور المتسارع الذي تشهده المملكة، يبرز سؤال جوهري حول مدى نضج هذا القطاع وقدرته على مواكبة طموحات المستقبل.

في هذا السياق، كشف المختص في القطاع سليمان بن معيوف عن إحصائية محورية، حينما أشار في حديثه لقناة الإخبارية إلى أن 60 % من سوق التأمين السعودي يعتمد بشكل حصري على التأمين الصحي، بينما تتوزع الـ40 % المتبقية على تأمين المركبات وبقية المنتجات الأخرى، هذا التصريح، وإن بدا مجرد رقم، فهو يحمل دلالات عميقة حول التحديات الهيكلية والفرص الواسعة التي تنتظر القطاع.

وعلى الرغم من أن هيمنة «التأمين الصحي» على المشهد تبدو منطقية، كونه المدخل الأساسي لترسيخ مفهوم التأمين في المجتمع السعودي، إلا أن هذا التركّز المفرط يضع القطاع أمام رياح التقلبات الاقتصادية، فالاعتماد الشديد على منتجين رئيسين (الصحي والمركبات) يجعله عرضة للصدمات الخارجية؛ حيث يتأثر التأمين الصحي بشكل مباشر بالإنفاق الحكومي وسياسات الرعاية الصحية، في حين يرتبط تأمين المركبات بمعدلات الحوادث والأنظمة المرورية المتغيرة. أي تغير في هذه العوامل يمكن أن يهدد استقرار السوق ككل، وهو ما يفرض ضرورة ملحة لإعادة التوازن وتوسيع قاعدة المنتجات.

وعند مقارنة السوق السعودي بالأسواق العالمية، نجد أن التنويع هو القاعدة الأساسية، ففي أوروبا والولايات المتحدة، تتوزع الحصص بشكل أكثر توازناً لتشمل التأمين على الحياة والممتلكات، والمسؤوليات المهنية، والتأمين ضد الكوارث الطبيعية، إضافة إلى التأمين البحري والزراعي.

إن هذا الطيف الواسع من المنتجات لا يقتصر على تحقيق الاستقرار فحسب، بل يعكس أيضاً قدرة القطاع على تلبية الاحتياجات المتخصصة والمتنامية لمختلف القطاعات الاقتصادية.

ولأن المملكة تنفتح على العالم، وتبذل قصارى جهدها لتحقيق آمال وطموحات الشعب السعودي، فقد جاءت رؤية 2030 لتفتح آفاقاً غير مسبوقة أمام شركات التأمين للتوسع والانتقال من مرحلة التركّز إلى مرحلة التنويع الاستراتيجي، فمع المشروعات الضخمة التي يتم إطلاقها في المملكة، تظهر فرص غير مستغلة في مجالات متعددة. يمكن للقطاع أن يتوسع ليشمل التأمين على مشروعات السياحة والترفيه والطاقة المتجددة التي تحتاج إلى تغطية شاملة للمخاطر، كما أن التحول الرقمي يفرض حاجة ملحة لمنتجات التأمين ضد المخاطر السيبرانية وحماية البيانات، وهي سوق واعدة لم يتم استثمارها بالشكل الكافي بعد.

إضافة إلى ذلك، يمثل قطاع التأمين متناهي الصغر فرصة ذهبية لتعزيز الشمول المالي وخدمة شريحة واسعة من الأفراد ورواد الأعمال الصغار الذين يحتاجون إلى حماية بسيطة وفعالة لمشروعاتهم وممتلكاتهم. إن تطوير هذه المنتجات لا يعزز فقط من حصة السوق، بل يسهم أيضاً في رفع مستوى الوعي بأهمية التأمين كأداة لإدارة المخاطر وتحقيق الأمان المالي.

وفي هذا السياق، يبرز الدور المحوري لهيئة التأمين التي تعمل بشكل فاعل مع الجهات ذات العلاقة على تفعيل المنتجات الحالية، إلى جانب رسم سياسات مدروسة لإطلاق منتجات مستقبلية تتماشى مع احتياجات السوق. هذا التحرك المؤسسي يُعد ركيزة أساسية لتسريع وتيرة التنويع وتهيئة البيئة التنظيمية لابتكار منتجات جديدة، بما يضمن استقرار القطاع ورفع مساهمته في الاقتصاد الوطني، غير أن الواقع يحتاج مزيد من سرعة تلبية احتياجات هذا القطاع الحيوي المهم.

من هنا كانت تصريحات ابن معيوف، وما حمله من أرقام، تمثل دعوة صريحة لإعادة هيكلة القطاع؛ لأن التنوع لم يعد مجرد خيار ترفيهي، بل أضحى ضرورة استراتيجية لضمان نمو كبير ومستمر ومتنامٍ، يواكب الطفرة الاقتصادية الشاملة في المملكة، ويجعل قطاع التأمين شريكاً حقيقياً في تحقيق أهداف رؤية 2030.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد