أسامة يماني
نجحت روسيا في حربها على أوكرانيا إعلامياً بشكل ملفت. حيث حقّقت اختراقات ونجاحات أمام الإعلام الغربي وذلك بتقديم رواية بديلة عن الحرب، مما أثار قلق الحكومات الغربية. وأقنع بعض الجماهير في الغرب (خاصة اليمين المتطرف أو المعادين للناتو) لتبنّي أجزاء من السردية الروسية، مثل: «أوكرانيا دولة فاسدة».
«إن توسّع الناتو هو من دفع روسيا للحرب». «أوكرانيا كيان مصطنع» (الخطاب التاريخي-الهوياتي). «الغرب يزوّد أوكرانيا بأسلحة لإطالة الحرب».
وترتكز السردية الروسية في حرب أوكرانيا على مجموعة من الركائز الإيديولوجية والسياسية والأمنية التي تهدف إلى تبرير العمليات العسكرية وتشكيل الرأي العام داخلياً وخارجياً.
السردية الروسية مبنية على مزيج من الخوف التاريخي (من الناتو)، والقومية الروسية (فكرة العالم الروسي)، ونظريات المخططات الغربية القائمة على التوسّع والهيمنة والسيطرة على مقدّرات الشعوب.
إن توضيح مفهوم السردية والتفرقة بينها وبين الدعاية يساعد على فهم أكثر وضوحاً لهذه الوسيلة ويتبين أهمية هذا السلاح.
السردية الإعلامية (Media Narrative): هي طريقة تقديم المعلومات أو الأحداث في وسائل الإعلام عبر قصة أو رواية تحوي عناصر مثل السياق، الشخصيات، والتسلسل الزمني. تهدف إلى جعل المضمون أكثر قابلية للفهم وأكثر جذبًا للجمهور. مثال لذلك تقرير إخباري عن أزمة لاجئين يركز في طرحها على الجمهور بقصص فردية لشرح الأبعاد الإنسانية. ومثال آخر عن التغيير المناخي بعرض معلومات علمية مع قصص ضحايا الكوارث الطبيعية.
تهدف السردية إلى سرد قصة أو نقل تجربة أو شرح فكرة بطريقة جذابة ومقنعة، سواء لأغراض ترفيهية أو تعليمية أو تفسيرية، وتتميّز بالتوازن في الآراء، والمصادر المكشوفة، وغياب اللغة العاطفية المُفرطة.
الدعاية (Propaganda) هي نقل معلومات أو أفكار مُصممة للتأثير على آراء الجمهور أو التلاعب به لخدمة أجندة سياسية/اقتصادية/اجتماعية، وهي غالبًا ما تكون أحادية الجانب، تختزل الحقائق أو تحوّرها لخدمة هدف معين، وقد تستخدم التضليل أو العواطف أو الإقصاء، أو التكرار المبالغ فيه.
في حين أن الأدوات والأساليب لكل منهما هي كما يلي: السردية تعتمد على عناصر القصة (الشخصيات، الصراع، الحبكة...) وقد تستخدم التشويق أو الفن الإبداعي. أما الدعاية تستخدم أساليب نفسية مثل التكرار (ترديد شعارات بسيطة)، واستثمار العواطف (الخوف، الكراهية، الفخر)، والاستقطاب (نحن vs هم)، الرموز (أعلام، ألوان، شعارات).
أما بخصوص السياق والاستخدام لكل منهما:
السردية تُستخدم في الأدب، السينما، التعليم، والإعلام وحتى في الأعمال التجارية (كالـ *Storytelling* في التسويق). أما الدعاية: تُستخدم في الإعلانات التجارية المُضللة. وفي الحروب، الحملات السياسية، الصراعات الإيديولوجية.
السردية وسيلة لرواية الأحداث أو الأفكار (قد تكون محايدة أو إبداعية). أما الدعاية فهي وسيلة للتأثير والتحكم بالجمهور (غالبًا ما تكون مُضللة أو أحادية) ومع ذلك، قد تتداخل الاثنان أحيانًا.
السردية الروسية أثّرت على الإعلام الغربي، لكن الغرب رد بحملة مضادة لإسكاتها عبر حظر القنوات الرسمية والتشكيك في صحة الرواية الروسية. ومع ذلك، تبقى الرواية الروسية موجودة في فضاءات إلكترونية ووسط جماهير معينة، مما يجعلها عنصرًا مستمرًا في الحرب الإعلامية.
من هذه التجربة وغيرها يتضح أهمية أن يكون للخطاب الإعلامي العربي سردية يستطيع أن يصل بها للجمهور العربي والغربي والأفريقي واللاتيني والصيني وكافة شعوب العالم.