أحمد محمد الشحي
حققت دولة الإمارات قفزات نوعية في ميدان تطوير الأداء الحكومي، حتى غدت تجربتها نموذجاً عالمياً يحتذى في مجال الريادة الإدارية، ورسم السياسات المبتكرة، وبناء الحكومات المرنة التي تستجيب بسرعة وكفاءة وفاعلية لاحتياجات الأفراد والمجتمع.
ومن أبرز المبادرات التي أطلقتها دولة الإمارات في هذا المجال مبادرة تصفير البيروقراطية، والتي تعد مبادرة وطنية رائدة تستحق أن تسجل بمداد الفخر في سجل التجديد الإداري والحوكمة الرشيدة، وتهدف إلى تجديد العلاقة بين الإنسان والجهة الخدمية، لتقوم على أسس من المرونة والسلاسة والسرعة.
وطالما شكلت البيروقراطية في المجتمعات حول العالم عقبة كؤوداً في مسيرة التنمية، لما تسببه من هدر للوقت والجهد وإضعاف للإنتاجية، وإرهاق للمؤسسات بترتيبات إجرائية غير ضرورية.
وإذا كان هذا التوجه قد أطلق بحمد الله تعالى في القطاع الحكومي، فإن الحاجة ماسة كذلك إلى أن يتوسع أثره ليشمل جميع القطاعات، وخاصة القطاع الخاص الذي يعد شريكاً محورياً في التنمية، ومكملاً أساسياً لدور المؤسسات الحكومية.
إن القطاعات الخدمية مثل البنوك والمؤسسات المالية والمستشفيات والمراكز العلاجية والمدارس والجامعات والجمعيات الإنسانية والخيرية وغيرها، هي جميعاً على خط التماس اليومي مع احتياجات المجتمع، ما يحتم عليها أن تقوم بدورها في تقديم الخدمات بسرعة وسلاسة ومرونة بعيداً عن أي بيروقراطية معقدة، لتقوى بذلك الصلة الإيجابية بين الأفراد ومنظومة العمل الوطني ككل، على مستوى المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص.
ومما يعين على ذلك صياغة وثيقة لتصفير البيروقراطية بحيث تشمل جميع المؤسسات والجهات الحكومية والخاصة، ليمثل ذلك نقلة نوعية في طريقة تقديم الخدمات للمتعاملين في الميادين الحيوية كافة، ويعكس روح الانسجام والتكامل في جودة الإجراءات وفاعليتها بين القطاعين العام والخاص.
وتتمثل هذه الفكرة في إعداد وثيقة وطنية شاملة تحت عنوان وثيقة تصفير البيروقراطية، تعتمد رسمياً من الجهات المعنية في الحكومة الاتحادية، وتُفعل بشكل إلزامي على كل المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص، وتشتمل معايير تقييمية دقيقة تتيح قياس مدى التزام هذه الجهات بمبادئ التبسيط، وتسريع إنجاز المعاملات.
وقد ضربت المؤسسات الحكومية أروع الأمثلة في مضمار تصفير البيروقراطية، التزاماً برؤية القيادة الحكيمة في هذا التوجه الريادي في فنون الإدارة وإسعاد المتعاملين، وما أجمل أن تسعى المؤسسات والجهات كافة في القطاع الخاص إلى أن تحذو حذوها، لتتضافر جميع المساعي في التغلب على البيروقراطية التي تمثل أحد أعقد التحديات الإدارية التي تواجه كثيراً من دول العالم، ويتنافس الجميع على أرض هذا الوطن المعطاء في ميدان واحد عنوانه خدمة الإنسان بكفاءة وسرعة.