محمد ناصر العطوان
كان باسل بن لصيف النثعاني، يُشبه شجرة زيتون، جذورُها تُمسك بالسماء وأغصانُها تلامس الجحيم... ورغم أنه مسلم إلا أنه عاش حياة تشبه «اسمه» الذي لا يدل على إسلام ولا على كفر.
يلبس أحسن ثيابه وقت الذهاب لحفل زفاف، أو مقابلة وظيفيّة، أو زيارة كنيسة للاحتفال بعيد إخوانه المسيحيين في الوطن، ويهتم بأدق التفاصيل في مظهره وشكله، غير أنّه يلبس ما رثّ من الثياب وقت صلاة الجمعة، وغيرها من أماكن التجمُّع للعبادة، مع أنّه يَحفظُ آيةَ «خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ»، ولكنه يلبس ثياباً كأنها صُمِّمت لدفن الموتى في المساجد.
يحرص على معرفة حقوق غير المسلمين؛ ويستشهد بكل الآيات والأحاديث التي دلت عليها، ويحفظ مواد حقوق الإنسان عن ظهر قلب، بينما يسرق ميراث أخواته تحت جنح «العادات المقدسة».
في حفلات الأغنياء، يرقص باسل كطاووس مُزين بألوان التسامح، يهتف باسم النبي ويُقبِّل أيادي المُرابين. يكتب آيات الرحمة على زجاج البنوك التي تبيع الفقراء بفواتير الربا، ويقول «الدين يسر»، لكنه يربط ابنته بصخرة المهر العالي، ويصرخ في الخاطب: «هكذا تقاليدنا!».
باسل بن لصيف النثعاني، لم يكن منافقاً ولكنه أيضاً لم يكن متبعاً، فتجده في مجالس العلماء، يُحب الخطب التي تُلقى عن «اليسر في الدين»، يهز رأسه كالحكيم القديم، لكنه إذا سمع فتوى تُحرِّم عاداته وتقاليده، يتحول إلى سكين يقطر سمّاً «هؤلاء متشددون!».
أولاده يتيمو التربية، لكن قلبه عامرٌ بحفلات «الذوق العام» والحديث في الشأن العام، وربما كتب كتاباً عن «الديمقراطية في المجال العام»، وإذا أخطأ في حق أحدهم يرفض أن يعتذر لمن أخطأ بحقهم، بينما يطالب العالم كله بأن يسجدوا لـ«حقوق الإنسان».
حقوق يوزعها كالفلفل الحار على عيون الغرباء والمخالفين له، ويذرها رماداً على عيون إخوته.
باسل يُشبه نهراً يجري في الاتجاهين:
يغسل قلبه بالقرآن إذا لمس مالاً حراماً، لكنه يغلق القرآن بيديه إذا وقف عائقاً أمام تجارته، يُحب النبي في الموالد وحفلات الإنشاد الديني، ويُحب الربا في كل يوم، وهضم حقوق المسلمين، ينهض بحقوق «النصارى واليهود والصابئة والمجوس والأزيديين والدروز» ولا ينهض بحقوق الزوجة والعيال!
وإذا سُئل: ماذا قدّمت؟ يجيب بفصاحة المتناقضين: «قدّمت الأعذار... أعذاراً جميلة مُذهبة، كفيلة بأن تُبقي السماوات مفتوحة... لأشباهي!».
ما لم يدركه باسل وأمثاله... أن كل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.