محمد بن عيسى الكنعان
الحراك التنموي والاقتصادي الذي تشهده المملكة على مستوى كل مناطقها الإدارية بالمشروعات الكبيرة، الإستراتيجية، والأخرى التنموية -لا شك- تعكس الثقل الاقتصادي السعودي، وقوته إقليميا ودوليا، كما تؤكد أن رؤيتنا الطموحة 2030 تسير في الاتجاه الصحيح محققة مستهدفاتها. هذه المشروعات العملاقة المختلفة في طبيعتها، والمتباينة في أحجامها، والتي تنفذ وفق خطط تشغيلية دقيقة، وبشكل متسارع، جعلت البعض يخلط بينها وبين التنموية، بل ربما يعتقد أن المشروعات الإستراتيجية تؤثر سلبا على تنفيذ التنموية، خاصة وهو يلاحظ التفاوت في حجم الإنجاز بين المشروعات عموما، فيتساءل عن الأولوية في الحركة التنموية داخل العجلة الاقتصادية بشكل عام! هل يكون لمشروعاتنا التنموية المرتبطة بالخدمات الأساسية من تعليم، وصحة، ونقل، وإسكان، وغيرها، أم تكون لمشروعاتنا العملاقة - التي لا يعي قيمتها وأثرها المستقبلي - مثل القدية: وبوابة الدرعية، والمسار الرياضي، وحديقة الملك سلمان، ونيوم، والبحر الأحمر، ومسار مكة، وبوابة الملك سلمان، والملاعب الرياضية، وغيرها.
هذا التساؤل مبني أساسا على مغالطة غير منطقية لا تستند على حجة واقعية، لعدم فهم طبيعة هذه المشروعات أو تلك وأبعادها الاقتصادية وآثارها الإيجابية؛ لذلك فمسألة وجوب تطبيق الأولويات ليست صائبة؛ لأن المقارنة بين المشروعات الإستراتيجية والأخرى التنموية لا تقف على أرض ثابتة، أو بينهما قاسم مشترك. فالمشروعات العملاقة التي تنفذ بالرياض أو غيرها من المناطق هي مشروعات إستراتيجية - أي ذات بعد مستقبلي - أي بعيد المدى، ستشكل دعائم مستقبلية لاقتصادنا الوطني عند اكتمال إنجازها - بإذن الله - بحكم حجمها، ومردودها الاقتصادي العالي، والفرص الوظيفية التي ستوفرها لأبناء وبنات الوطن، فضلا عن ارتباط هذه المشروعات بأحداث عالمية كاستضافة الرياض لمعرض إكسبو 2030م، أو استضافة المملكة لكأس العالم 2034م. كما أن هذه المشروعات - أي الإستراتيجية أو العملاقة - لها خطط تنفيذية وميزانيات محددة. بينما المشروعات التنموية ذات طبيعة مختلفة، ولها مسارات أخرى، وهي مشروعات مستمرة لا تتوقف، وتعتمد بالدرجة الأولى على الزيادة السكانية، والاتساع العمراني، كالمدارس والمستشفيات والطرق وغيرها، كما أن ميزانيات هذه المشروعات مرتبطة بجهاتها المعنية بها من وزارات وهيئات، وإنجازها يعتمد بالدرجة الأولى على التنفيذ والمتابعة من قبل كل جهة؛ لهذا نجد أن المشروعات التنموية متغيرة كل عام، قد تزيد وقد تنقص وفقا لاحتياجات المناطق والخدمات الأساسية المقدمة للمواطنين، فضلا عن تعثر بعضها، من هنا جاءت أهمية هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية (إكسبرو)، التي تهدف إلى الإسهام في تحقيق كفاءة الإنفاق في الجهات الحكومية، وتحسين جودة المشروعات، والأصول، والمرافق، إضافة إلى التخطيط للبنية التحتية، والبرامج، والمبادرات، والعمليات التشغيلية الممولة من ميزانية الدولة. فضلا أن هناك بعض الوزارات تشهد خلال هذه الفترة تحولات في إستراتيجياتها وهيكلة أعمالها، ما انعكس على كثير من مشروعاتها ومنظومتها. لذلك ينبغي أن نعي الفروقات الجوهرية بين المشروعات الإستراتيجية التي لها مدى زمني محدد، وهدف معين، وتصب في صالح الاقتصاد وتعزز استدامته المالية، بينما المشروعات التنموية التي تعتمد على الاستدامة المالية، لأن طبيعتها الاستمرار بحكم ارتباطها بالزيادة السكانية، والتوسع العمراني، وبالتالي توفير الخدمات الأساسية للمواطنين والمقيمين. لذلك فإنجاز مشروع إسراتيجي يدفع بعجلة المشروعات التنموية.

