خالد بن حمد المالك
العلاقة بين المملكة وسوريا تاريخية، وفيها من العمق والأصالة ما تؤرخه صفحات التاريخ، وتتحدث عنه المواقف والتجارب، والمصير الواحد، ما لا يغيب عن الذهن، أو يتوارى عن الأنظار.
* *
علاقة تجمع بين البلدين بقواسم مشتركة كثيرة، ومصالح تُؤسس لجذور صالحة للبناء عليها في مواجهة التحديات، والتقلبات، دون أن تُصاب العلاقة بالوهن، أو الضعف، أو التراجع عن التمسك بها في ظل مُتغيرات ومُستجدات ألقت بظلالها في مراحل مهمة من التاريخ.
* *
في عهد بشار الأسد، تحولت سوريا إلى دولة غير ودية مع المملكة، ومع الدول العربية، وظهر النظام البائد مُعادياً لشعبه، يحكم البلاد بالحديد والنار، وكان موقف المملكة يتمثل بمحاولات متكررة لثنيه عن ممارسة ما يسيء إلى شعبه والدولة السورية.
* *
وحين أصر بشار الأسد على نهجه، واعتماده على الدعم الخارجي، ورفض العودة إلى علاقاته مع محيطه العربي، وظن أن استمراره على مقاليد الأمور لا يتحقق إلا بالقوة والجبروت، كان موقف المملكة واضحاً في دعمها للثورة ضد نظام مستبد، حتى تحقق للثوار إسقاطه، واضطراره للهروب ذليلاً إلى روسيا.
* *
ما بعد نجاح الثورة، تمثل دور المملكة، في دعم سوريا مادياً واقتصادياً وسياسيا، والشراكة معها في مشاريع اقتصادية وتنموية بهدف جذب وتشجيع الاستثمار لها، وصولاً إلى التعافي، وتخليصها من المعاناة في ضعف الاقتصاد، وارتفاع البطالة، وعودة الحياة إلى وضعها الطبيعي في البلاد.
* *
وكان الموقف المهم والمؤثر حين دعا ولي العهد رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان الرئيس السوري أحمد الشرع، وجمعه في الرياض بالرئيس الأمريكي ترمب، وإقناع الأخير برفع العقوبات عن سوريا، لتتوالى الدول الأوروبية برفع عقوباتها هي الأخرى، ما شكل نقطة تحول في مستقبل البلاد.
* *
ولا يمكن أن ننسى أن المملكة فتحت أبوابها للجوء آلاف السوريين إلى المملكة، هروباً من بطش بشار الأسد ونظامه، وسمحت لهم بالعمل والدراسة والعلاج، كما هو شأن السعوديين، ولا زالوا إلى اليوم في ضيافة المملكة، بانتظار استقرار سوريا، وتوفر الأمن فيها للعودة إليها.
* *
وامتداداً لكل هذا وغيره، كانت الرسالة الجديدة في دعم محمد بن سلمان لسوريا، دعوته للرئيس السوري للحضور إلى الرياض والمشاركة في منتدى مستقبل الاستثمار في دورته التاسعة، ليس هذا فقط، وإنما بحضور ولي العهد جلسة الشرع، ضمن التخطيط الأميري وجهده الذي لم يتوقف، لإرسال رسائل ايجابية عن العهد الجديد.
* *
حضور ولي العهد للجلسة الخاصة بالاقتصاد السوري، واستضافة الرئيس السوري متحدثاً رئيساً أمام المنتدى، في أول دور انعقادي له بعد بداية العهد الجديد، يؤكد التزام المملكة الراسخ في دعم الاقتصاد السوري، وتوفير منصة مثالية، تمكنه من فتح قنوات التواصل، مع أبرز رجال الأعمال والمستثمرين الدوليين، لاستكشاف الفرص الاستثمارية، والمساهمة في جهود استعادة سوريا لعافيتها.
* *
وإلى جانب ما بذلته المملكة من جهود دبلوماسية نشطة لصالح سوريا في عهدها الجديد، فإن مبادرة المملكة بدعوة الرئيس السوري للمؤتمر كان الهدف منها تسخير إمكانات وقدرات وعلاقات المملكة لدفع الشركاء الإقليميين والدوليين لدعم تعافي الاقتصاد السوري، وتعزيز جهود التصدي لما تواجهه الحكومة السورية من تحديات اقتصادية، والإسهام في رفع المعاناة عن الشعب السوري الشقيق.
* *
أي أن حضور ولي العهد جلسة الرئيس السوري بما له من أهمية، إنما يمثل حرص سموه على دعم وتنمية الاقتصاد السوري، في إطار الدور القيادي للمملكة على المستوى الدولي في طرح ودعم المبادرات الرامية لمساندة حكومة الشرع والشعب السوري.
* *
سوريا - باختصار - في قلب اهتمام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، وقد بدأ مع النظام الجديد، وبهذا الزخم العالي، والاهتمام الكبير، ولن يتوقف، فهذا موقف سعودي ثابت منذ عقود من الزمن، وسوف يستمر إلى الأبد.

