: آخر تحديث

المسوّق الرقمي الجديد

2
2
3

لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تساعد المسوّق في تحليل الأرقام أو تحسين الإعلانات؛ بل أصبح لاعبًا أساسيًا يقف جنبًا إلى جنب مع الفرق التسويقية، يفكّر ويقرّر وينفّذ ويطوّر الأداء لحظة بلحظة، هذه الثورة الجديدة يقودها جيل متقدم من الحلول الذكية يُعرف بـوكلاء الذكاء الاصطناعي (AI Agents)، وهي أنظمة قادرة على التصرّف باستقلالية كاملة وكأنها مجموعة موظفين رقميين يعملون بلا توقف من دون أي تقصير.

هذا التحول العميق في بنية التسويق الرقمي يضع العلامات التجارية أمام فرصة تاريخية لتجاوز الأساليب التقليدية والانطلاق نحو مستوى أعلى من الكفاءة والفعالية، فيُعاد فيه تصميم علاقة الشركات بمستهلكيها، وتتغير فيه قواعد اللعبة لصالح من يتقن استثمار هذه التقنيات.

لقد أصبح التسويق الرقمي اليوم أكثر تعقيدًا مع تعدد المنصات وتغيّر سلوك الجمهور واشتداد المنافسة، ومع هذا الواقع يأتي وكلاء الذكاء الاصطناعي ليعيدوا تعريف طريقة إدارة الحملات الإعلانية، من خلال تحليل سلوك المستهلك لحظة بلحظة، وتوجيه الميزانيات تلقائيًا نحو الإعلانات الأكثر فعالية، وتحسين معدلات التحويل، وتقليل الهدر في الإنفاق الإعلاني، إلى جانب تخصيص المحتوى بما يتناسب مع احتياجات كل مستخدم وتفضيلاته وسياق تفاعله.

ولا يقتصر هذا الدور على الإعلانات فحسب، بل يمتد إلى صناعة تجربة عميل متكاملة، حيث يعمل هؤلاء الوكلاء على تحسين مختلف مراحل رحلة العميل، بدءًا من جذب الانتباه وحتى ما بعد الشراء، عبر تقديم دعم ذكي فوري على مدار الساعة، والتنبؤ بالمشكلات قبل حدوثها، وتقديم التوصيات التي تعزز ولاء العميل وترفع قيمته لدى العلامة التجارية، والانتقال من التسويق القائم على ردّ الفعل إلى التسويق الاستباقي المدعوم بالمعرفة.

وفي ظل رؤية السعودية 2030 الطموحة ومشروعات التحول الرقمي واسعة النطاق، تبدو البيئة المحلية مثالية لتبنّي وكلاء الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات من ضمنها قطاع التسويق، فالسوق الإعلاني السعودي يشهد نموًا متسارعًا، بالتزامن مع توسع منصات التجارة الإلكترونية، وتطور البنية الرقمية الوطنية، وارتفاع الاعتماد على البيانات والتحليلات كعنصر محوري في اتخاذ القرار.

ومع هذه التحولات، يتغير دور المسوّق من منفّذ للأعمال التشغيلية إلى قائد فكري واستراتيجي يركّز على الابتكار وصياغة الأفكار الإبداعية وإدارة التجارب العميقة للعملاء، بينما يتولى الذكاء الاصطناعي المهام التي تتطلب سرعة المعالجة واتخاذ القرارات اللحظية.

وكلاء الذكاء الاصطناعي لم يعودوا خيارًا تقنيًا إضافيًا، بل أصبحوا ضرورة تنافسية لعصر جديد من التسويق، يحكمه من يمتلك المعلومات ويحوّلها إلى قرارات وإجراءات في اللحظة المناسبة، ومن يدرك هذا التحول مبكرًا ويستثمر في تطبيقاته، سيكون في مقدمة من يصنع مستقبل التسويق، حيث تقوم المعادلة الجديدة على تكامل بين عقل بشري خلاق وآلة ذكية تعمل بلا كلل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد