في كلّ موقف، أو حدث عالمي، تشارك فيه المملكة أو تحتضنه، تبرز بقدرتها على إعادة هندسة الخطاب العالمي بلغة الهدوء والعقلانية، بل إنها أصبحت مرآة للوعي الحضاري، وفلسفة الحضور المؤثّر والمثمر، الذي يسعى لخير ورفاه العالم أجمع.
وليس ببعيدٍ عنّا منتدى مستقبل الاستثمار في دورته التاسعة؛ هذا الحدث العالميّ الذي باتت تترقبه الأوساط الاقتصادية الدولية، وتحرص كبرى المؤسسات الدولية على حضوره والمشاركة في أعماله، فقد تجاوز المنتدى آفاقه الاقتصادية العظيمة ليكون شاملاً، وثريّاً بشكل يدعو للفخر والاعتزاز، إذ رسّخت المملكة عبره فلسفتها وقوتها الناعمة الفاعلة، وهو ما جعل رئيس اللجنة التنفيذية والرئيس التنفيذي بالإنابة لمعهد مستقبل الاستثمار ريتشارد أتياس يقول في افتتاح الجلسة العامة لليوم الثاني للمنتدى: «تحتاج الحوارات العالمية إلى هدوء لفصل الازدهار عن السياسة». وأضاف: «هذا الأسبوع نرى المملكة في قلب شراكات عالمية جديدة تُعيد تعريف معنى التقدم في عصر الذكاء»، هذه العبارة على وجازتها ورغم أن ثمة كلمات قيلت لا تقل أهمية؛ إلا أن التقاطته الفطنة لدور المملكة في إعادة تعريف معنى التقدّم في عصر الذكاء تستدعي الوقوف والابتهاج؛ فهذا الدور الذي تضطلع به بلادنا بقوّة وفاعلية، هو سمة وملمح السعودية الحديثة، بكل هذا الزخم والتأثير الذي أبهر العالم أجمع، فضلاً عن كونه يرسم وجهتنا الحضارية والمستقبلية التي نمضي فيها بكل ثقة واقتدار.
وما دام الحديث عن المنتدى فلا يمكن تجاوز الدور الأبرز والأهم الذي شهده المنتدى وجلساته؛ ألا وهو حضور سمو ولي العهد -حفظه الله- جلسة الرئيس السوري في منتدى مستقبل الاستثمار (2025م).
هذا الحضور لسمو ولي العهد يعكس دعم سموه للحوار والنقاش بين الخبراء والمختصين الدوليين حول اتجاهات مستقبل الاقتصاد العالمي، واستشراف تطورات بيئة الاستثمار في العقود المقبلة، كما يعكس اهتمام المملكة بقطاع الاستثمار، وتعزيز الشراكات الإقليمية والدولية في هذا القطاع، حيث تهدف الاستراتيجية الوطنية للاستثمار إلى رفع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 388 مليار ريال سنوياً، وزيادة الاستثمار المحلي ليصل إلى حوالي 1.7 تريليون ريال سنوياً بحلول العام 2030م.
وفي سياق الحراك التنموي للمملكة يأتي تخصيص منتدى مُبادرة مُستقبل الاستثمار جلسة خاصة بالاقتصاد السوري واستضافة الرئيس أحمد الشرع متحدثًا رئيسًا أمام المُنتدى في أول دور انعقاد له بعد بداية العهد الجديد، ليؤكد التزام المملكة الراسخ بدعم الاقتصاد السوري وتوفير منصة مثالية تمكنه من فتح قنوات التواصل مع أبرز رجال الأعمال والمستثمرين الدوليين لاستكشاف الفرص والمساهمة في جهود استعادة عافيته.
هذا الجهد السعودي لا شك سينعكس على مستقبل سورية، وسيكون متمّماً لتلك الجهود الدبلوماسية النشطة التي قامت بها المملكة عبر دعوة الأطراف الدولية لرفع العقوبات المفروضة على سورية، وتكللت -بفضل الله- جهودها بإعلان الرئيس الأميركي رفع العقوبات الأميركية المفروضة على سورية، تلبيةً لطلب سمو ولي العهد، وترجمة لقيمته وتأثيره العالمي.

