: آخر تحديث

وراء الجبل

1
1
1

وراء الجبل هو فيلم درامي، يحتوي على أحداث خارقة للطبيعة - في التصنيف العالمي يضيفون كلمة سوبرناتشورال، لكنني لم أعثر على الصيغة المناسبة في العربية - للمخرج التونسي محمد بن عطية، الذي كان قد أخرج فيلمين قبله هما نحبك هادي، وولدي، وهما أيضاً فيلمان دراميان فيهما الكثير من الصراعات الاجتماعية النفسية التي يخوضها الإنسان التونسي المعاصر. لكن ما يميز وراء الجبل هو هذه القوة الخارقة التي يمتلكها بطل الفيلم، وهو أمر يشبه الواقعية السحرية في الأدب، حيث يقرر كاتب ومخرج الفيلم بن عطية أن يمنح بطله القدرة على الطيران، وهي بالرغم من أنها قدرة تتصور أنها باعثة على السعادة، يصورها ابن عطية، أو هذا ما وصلني من الفيلم، قدرة يحملها صاحبها كالصليب، أو كالنبوءة، يريد أن يبشر بها، لكنه يخاف أو يخمن كيف يمكن للناس أن يستقبلوها. وربما يساعدنا في هذا الفهم وجود الراعي الذي يصدقه ويتبعه كالمريد.

من البداية، رفيق، الذي يجسده الممثل البارع مجد مستورة، هو إنسان مأزوم، يحمل بداخله أزمة رفض لدوره في الحياة، وقد يكون الدور الوحيد الذي لا يقبل أن يجرده منه المجتمع هو دور الأب. يدرك رفيق، أن الحياة الهادئة الخاملة التي توفرها عائلة زوجته لولده ليست هي الحياة المثالية، ويدرك أيضاً حين يختطفه أنه لا يفعل ذلك بسبب من أنانية مفرطة وحب تملك، هو يريد إنقاذ ولده من الحياة التي عانى منها، يريد من ولده أن يشاهد قدرته على الطيران، حتى لو مات في سبيل ذلك، يريد أن يقول لولده إن في الحياة أكثر بكثير من المسار الذي وضع فيه، عليه فقط أن يفتح عينيه، ويؤمن بالمسارات الأخرى، أن يعرف قبل أن يختار.

والحكاية ليست سهلة وذات بعد واحد، ليس البطل بطلاً بالمعنى المعروف يحمل كل الفضيلة والحق كله على الآخر، لذلك ربما يدخلنا ابن عطية في مدخل جديد حين يقتحم رفيق منزل عائلة تسكن في مكان متطرف، ويجبرهم على استقباله بالقوة والعنف، هكذا تصبح في حيرة، تتعاطف مع من، والحق يصبح لمن. كما هي الحياة، الأمور في الغالب رمادية، ليس الحق واضحاً وبيناً ويمنحك القدرة على اختياره ببساطة، هناك التباسات كثيرة، وخفايا كثيرة. حتى في العائلة الجديدة، نشاهد أطراف حكايات معقدة، هكذا هي الحياة، ليست الأمور كما تبدو في الغالب، هناك أكثر بكثير مما تراه على السطح، ولو أدركت ذلك، ربما عندها فقط تسامح، وتفهم الآخر. وربما إذا فتحت عينيك، تراه يطير وتعرف أنه لم يكذب.

فيلم جميل وخلاب، يترك داخلك شجناً عميقاً، والغريب أنه يترك أيضاً أملاً بالمستقبل لا يمكن إغفاله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد