نادية عبدالرزاق
حققت تقنيات الذكاء الاصطناعي في الفترة الأخيرة محاكاة وتناغماً مع الذكاء البشري في الكثير من الجوانب، سواء ما تعلق منها بالتفكير أو التحكم أو الاستقلالية الوظيفية أو التعلم الذاتي، كما غيرت جميع المفاهيم التقليدية التي تعود عليها الأفراد، وقدمت لنا مفاهيم جديدة أكثر مرونة في مختلف المجالات، وأصبحت الروبوتات الذكية المستقلة أحد أعظم نتائج هذا التطور، إلا أن هذا التقدم السريع في مجال الذكاء الاصطناعي لم يخلو من الآثار السلبية، فعلى الرغم من الدراسات والبحوث المعمقة لجعل هذه التقنيات الذكية تعمل بأمان وفعالية في بيئات مختلفة سواء كانت معقدة أو غير معقدة، إلا أنها لم تصل لمرحلة الكمال، الأمر الذي أثار العديد من الإشكاليات القانونية، التي تركزت في مجموعها على تحقيق الحماية اللازمة للمتضرر من هذه التقنيات وضمان حصوله على التعويض، إلا أن الطبيعة المعقدة لهذه التقنيات من حيث استقلالها في اتخاذ القرارات وعدم التنبؤ بقراراتها، وتعدد الفاعلين في عملية التشغيل كالمُصنّع والمصمم والمالك والمُشغل والعديد من العوامل التي جعلت فكرة المسؤولية المدنية غير قادرة على القيام بوظيفتها التعويضية، استدعت الاعتماد على نظام التأمين كأحد الحلول لضمان تعويض المتضرر من تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تتمثل تلك الفكرة في تحمل شركات التأمين التعويض عن الضرر بموجب عقد التأمين.
كما تتجلى أهمية التأمين في دوره لتفادي الإشكاليات التي قد تحدث بسبب عدم وضوح أحكام المسؤولية المدنية والحفاظ على دورها في تعويض الأضرار الناتجة عن تقنيات الذكاء الاصطناعي، الأمر الذي يبرز دور التأمين كوسيلة تضمن حصول متضرري تقنيات الذكاء الاصطناعي على حقهم في التعويض، وتوزيع تكلفة الحادث ونقل تكلفة الأضرار من مرتكبي الحادث الضار إلى شركة التأمين.
ويُعتبر نظام التأمين آلية تقنية قانونية فعالة، سيكون له تأثير إيجابي لما توفره بوليصة التأمين على الروبوتات من الحماية المالية عن الأضرار المادية والإصابات الجسدية عن حوادثها، ما يسمح بوجود هذه التقنيات والمحافظة على موقعها التنافسي، غير أن مستوى التأمين لا بد أن يكون وفقاً لطبيعة الروبوت الذي يتم التأمين عليه، فالكثير من الروبوتات لن تحتاج إلا إلى تأمين بسيط، أما الروبوتات الذكية والتي تعمل بشكل مستقل فستطلب تغطية تأمينية أكبر كما هو الحال في السيارات ذاتية القيادة والطائرة ذاتية القيادة والروبوتات الطبية الجراحية المستقلة.
ولقد اقترح البرلمان الأوروبي ضرورة اعتماد نظام تأمين إلزامي للروبوتات لتغطية المسؤوليات المدنية الناشئة عن الأضرار التي قد تسببها الروبوتات، إذ يهدف هذا التأمين إلى حماية الطرف المؤمن من المخاطر المحتملة في المستقبل وذلك من خلال تقديم تعويضات للطرف المتضرر عن الأضرار التي قد يتعرض لها.
لكن التأمين على الروبوتات يجب أن يأخذ بعين الاعتبار جميع المسؤوليات المحتملة التي قد تنتج عن أفعال الروبوتات، ويكون وسيلة لضمان تعويضات عادلة للمتضررين الذين يتعرضون لأضرار ناتجة عن الروبوتات، وفي الوقت ذاته يحمى مالكي الروبوتات أو الجهات المصنعة من مخاطر المسؤولية المدنية التي قد تنشأ نتيجة استخدام هذه الروبوتات فيجب أن يكون وسيلة حماية مزدوجة، من جهة يعوض المتضررين، ومن جهة أخرى يحد من المخاطر المالية التي قد يواجهها المتسببون المحتملون في الأضرار.
وعلى الرغم من أهمية التأمين كآلية لحماية المجتمع من المخاطر إلا أن تطبيق فكرة التأمين على الروبوتات يشكل تحدياً كبيراً لشركات التأمين، إذ يتعين على شركات التأمين تطوير سياسات جديدة تلائم الطبيعة المتغيرة للتكنولوجيا الرقمية والروبوتات، كما يجب على الشركات التأمينية التعامل مع مجموعة واسعة من المخاطر المحتملة التي قد تختلف من روبوت لآخر، تبعاً لنوع الروبوت والغرض من استخدامه.