: آخر تحديث

مصير «حزب الله»؟

2
2
2

في بيروت، حيث تنام المدينة على هواجس الانقسام، وتصحو على طوابير المطالبين بودائعهم أمام المصارف، يبقى سلاح «حزب الله» المشهد الأكثر حضوراً في الداخل اللبناني كما في حسابات الإقليم والعالم، فهو لم يعد مجرد ترسانة عسكرية مخزنة في الجنوب والبقاع، بل تحوّل إلى معادلة سياسية وأمنية دفعت لبنان لأن يكون ورقة تفاوضية إقليمية خارج فضائه العربي.

منذ الثمانينات، أدركت طهران أن «حزب الله» ليس مجرد حركة مقاومة، بل ذراع متقدمة على البحر المتوسط، ومفتاح توازن في وجه إسرائيل، فالسلاح الذي بدأ ببندقية في وجه إسرائيل، أصبح جزءاً من هندسة استراتيجية إيرانية تمتد إلى المتوسط، ولعلّ تصريحات علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، بأن طهران لا تؤيد نزع سلاح «حزب الله»، يأتي ضمن سياق ما عبر عنه قادة «الحرس الثوري» بأن «حدود إيران الدفاعية» عند شواطئ صور وبيروت.

لكن هذا الارتباط يفتح الباب أمام مقارنة تاريخية؛ فما تقوم به إيران اليوم عبر «حزب الله» يشبه إلى حد بعيد ما فعله الاتحاد السوفياتي، حين حوَّل الأحزاب الشيوعية في أوروبا الشرقية والشرق الأوسط إلى أدوات لتوسيع نفوذه، كان الحزب الشيوعي في كل بلد يرفع شعار «تحرير العمال» لكنه عملياً ينفّذ استراتيجيات موسكو، وكما كانت براغ ووارسو وبوخارست تدور في الفلك السوفياتي، فإن بيروت اليوم تُستدرج إلى مدار آخر عبر سلاح «حزب الله».

والمفارقة أن السوفيات سقطوا في النهاية تحت ثقل هذا التمدد، لأن شعوب تلك الدول أرادت استقلال قرارها الوطني، ليُطلّ السؤال على لبنان: إلى أي مدى يستطيع بلد هشّ، متنوع الطوائف والولاءات، أن يتحمل تكلفة أن يكون سلاحه الداخلي جزءاً من منظومة أمنية عابرة للحدود؟الأسبوع الماضي، نشرت مجلة «الإيكونوميست» الإنجليزية تقريراً أشارت فيه إلى أن قبضة «حزب الله» على لبنان «لم تعد كما كانت»، بل صارت أضعف من أي وقت مضى، فالحرب الأخيرة مع إسرائيل أرهقت الحزب، وشعبيته الداخلية تراجعت، فيما صعد عهد جديد بقيادة الرئيس جوزيف عون، ورئيس الوزراء نواف سلام، يعيد إلى الواجهة المطلب الأقدم: استعادة الدولة. لقد بات واضحاً أن لبنان لم يعد يحتمل معادلة «المقاومة» التي تحولت إلى عبء اقتصادي وأمني، الغضب الشعبي ضد الحزب يتنامى، والمؤسسة العسكرية، رغم ضعفها، صارت محل تعاطف واهتمام بوصفها آخر ما تبقى من رموز الدولة.

وهنا يُطرح سؤالٌ مفتوحٌ: هل يكون مصير سلاح «حزب الله» مثل مصير الأحزاب الشيوعية التي ذابت مع سقوط الاتحاد السوفياتي؟ أم أن طهران ستعمل على ترسيخ نموذج مختلف، حيث يتحول فصيل لبناني إلى جزء لا ينفصل عن أمنها القومي؟ الجميع ينتظر الجواب، لكن المؤكد أن لبنان يدفع اليوم ثمن هذا التشابك بين بندقية محلية ومشروع إقليمي عابر للحدود.

حديث الرئيس اللبناني جوزيف عون لقناة «العربية»، حين شدد على أن «هيبة الدولة وسلطتها لا يمكن أن تكونا شراكة مع السلاح غير الشرعي»، مؤكداً أن الجيش هو المرجعية الوحيدة للأمن. وقبله، أكد رئيس الوزراء نواف سلام في مقابلة مع صحيفة «الشرق الأوسط» أن «إعادة الاعتبار للدولة هو الخيار الوحيد أمام اللبنانيين إذا أرادوا الخروج من دائرة الانهيار»، مما يؤكد أن هيبة الدولة أصبحت مطلباً لا رجعة فيه وضرورة استراتيجية للبلد، حتى لا يبقى لبنان أسيراً لمعادلات الخارج وأداة للمساومة في الصفقات الدولية، فالدول التي رهنت قرارها لقوى خارجية انتهت إلى التلاشي، والقرار الوطني إذا سُلب، لا تعود الدولة أكثر من اسم على خريطة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد