: آخر تحديث

حظ أفضل وراحة بال

2
1
2

بُعيد الغروب بقليل شعرت بوخزة مؤلمة في ظاهر اليد اليمنى ما بين السبابة والإبهام. التفت إلى مصدر الألم فوجدت بعوضة ضخمة تتلذذ بامتصاص دمي فنهرتها. طارت ثم عادت وحطت على مدرّج العروق البارزة، ما بين الإبهام والسبابة. هذه المرة هويت عليها بقبضة اليد اليسرى، لكنها كانت قد أحدثت العقصة الأخرى والمزيد من الألم.

لسبب عند معشر البعوض وليس عندي، تكأكأت عليّ ذلك المساء جميع أنواع البعوض والبراغيت والبرغش ملحاحة مثل نباح الكلاب الخائفة من عتم الليل، وتسلل الذئاب المخادعة. خطر لي وأنا في تلك الحالة اليائسة كم يتشابه البعوض وبعض البشر. فئة تلازمك طوال حياتك. كائنات صغيرة لا تُرى، لكنها تطن في أذنيك في صوت مزعج وتنتقم من ضآلة حجمها بقوة لدغها، وتمضي حياتها توزع الألم والسموم والطنين. لا أحد يهتم لوجودها فتحاول أن تثبت هذا الوجود بما أوتيت من قدرة على الإزعاج. مرة بالطنين ومرة بالوخز. لا دور آخر ولا طاقة أخرى. لها أجنحة مثل الطيور والفراشات، لكنها أجنحة بشعة وأزيز مقزز.

أمضيت عمري أخاف البرغش وأحاول تفاديه. لكنه ينبت من حولي دائماً في صور مختلفة وأحجام متفاوتة وسمّ مركّز. وبدل أن أخوض معركة مُثخناً بجروح الحقد والحسد والتلوث كنت أهرب. وإذ أتأمل حصاد العمر أتساءل: كيف يمكن لطبقة كاملة من البشر أن تمضي حياتها بين سم لا يقتل، وطنين فارغ؟ ما هذه القدرة الهائلة على أن يكون الإنسان مملوءاً بالترهات والعقم واللاشيء واللاأحد؟ أحياناً قليلة جداً (جداً) أتساءل: أين هم هؤلاء السادة؟ ماذا يفعلون؟ كيف ينظرون إلى مجانيات الضغينة والنميمة؟ وإلى حياة بأكملها كل شيء فيها، أن لا شيء فيها سوى الحسد والتجني.

أحاول أن أعثر على فائدة واحدة أفادها الفاشلون من حقدهم على النجاح. من حياة ليس فيها سوى الجناية الصغيرة، والهموم الصغيرة، والعوم فوق بحر لا ينضب من الثرثرة والهراء، بكثير من الألم الحقيقي. استعرضت تلك الصفوف الطويلة وتمنيت حياةً أفضل لأولادهم وأحفادهم وألّا يرتعوا كل ذلك الخواء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد