: آخر تحديث

مواقع التواصل الاجتماعي: بين الفوائد والمخاطر وتأثيرها على المراهقين

2
1
2

سارا القرني

أصبحتْ مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الناس، لا سيما فئة المراهقين الذين وجدوا فيها وسيلة للتعبير، التواصل، والتفاعل مع العالم الخارجي. وعلى الرغم من فوائدها الكثيرة، إلا أن لهذه المواقع آثارًا سلبية عميقة تهدد التوازن النفسي والاجتماعي للمراهق والأسرة على حد سواء.

من أبرز فوائد مواقع التواصل الاجتماعي أنها تُمكِّن المراهقين من تكوين علاقات اجتماعية، مشاركة اهتماماتهم، واكتساب مهارات تقنية ومعرفية. كما تتيح فرصًا للتعلم الذاتي، وتفتح آفاقًا واسعة للإبداع والتعبير عن الرأي، خصوصًا في مجتمعات تُقيّد حرية التعبير التقليدية.

لكن، في المقابل، تكمن خلف هذه الإيجابيات ظلالٌ ثقيلة من المخاطر، إذ يعاني المراهقون من تأثيرات سلبية نفسية وسلوكية خطيرة، منها القلق الاجتماعي، الاكتئاب، ضعف الثقة بالنفس، واضطرابات النوم، نتيجة الاستخدام المفرط أو المقارنات المستمرة بحياة الآخرين.

وتُعد إضاعة الوقت من أبرز السلبيات؛ فالمراهق يقضي ساعات طويلة يتصفح منصات لا تضيف له فائدة حقيقية، ما يؤثِّر سلبًا على تحصيله الدراسي، جودة نومه، ونمط حياته العام. هذا الانفصال عن الواقع يخلق فجوة بينه وبين أسرته، فيقل الحوار، وتضيع اللحظات الأسرية التي تُبنى بها العلاقات الصحية.

كما أن المحتوى غير المراقب يعرض المراهقين لأفكار متطرفة، سلوكيات غير أخلاقية، وتنمّر إلكتروني قد يُدمّر شخصيتهم الناشئة، بل وقد يستغل بعض المتربصين هذه المنصات لاستدراج القُصَّر إلى دوائر خطرة تشمل الابتزاز أو الانحراف السلوكي.

أمام هذا الواقع، لا بد من حلول عملية ومتكاملة. تبدأ من الأسرة، فهي الحاضن الأول والأقرب للمراهق. الرقابة الواعية، وليست القمعية، والحوار المفتوح المبني على الثقة، من أهم الوسائل لحماية الأبناء. لا بد من تخصيص وقت عائلي مشترك بعيد عن الأجهزة، وتعليم الأبناء مهارات إدارة الوقت وتحديد الأولويات.

ثم يأتي دور المدرسة، التي يجب أن تُدرِّس وعي الاستخدام الرقمي كجزء من المناهج، وتزرع قيم الاعتدال والحذر في التعامل مع الإنترنت. كما أن الإعلام والمؤثّرين مطالبون بتقديم محتوى توعوي جذاب يوازي ما يجذب المراهقين في تلك المنصات.

ولا يمكن إغفال دور الدولة، من خلال سن تشريعات تحمي القاصرين، وتفرض رقابة على المحتوى، وتعزِّز الأمان الرقمي عبر التعاون مع الشركات المشغلة لتلك المنصات.

في الختام، مواقع التواصل الاجتماعي أداة بحد ذاتها، ليست شرًا ولا خيرًا مطلقًا. لكنها تتحول إلى خطر حقيقي عندما تُترك بلا وعي أو توجيه. علينا أن نُعيد ضبط علاقتنا بها، ونُعلِّم أبناءنا أن العالم الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين، بل بجودة العلاقات، واستقرار النفس، ودفء الأسرة.

فلنُحافظ على بيوتنا، وننتبه إلى تلك اللحظات التي تضيع خلف الشاشات، لأنها قد لا تعود.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد