فيصل الشامسي
مع كل بداية لعام دراسي جديد تتجدد الآمال وتتضاعف الطموحات، وتُفتح صفحات جديدة مشرقة في مسيرة العلم والمعرفة، إنها لحظة فارقة تحمل في طياتها تحديات وفرصاً، وتستدعي من جميع الأطراف، «الطالب، المعلم، والأسرة»، أن يتسلحوا بروح إيجابية ورؤية منهجية واضحة، تضمن انطلاقة استثنائية ومثمرة لعام دراسي إيجابي.
فالتعليم ليس مجرد عملية تلقين، بل منظومة متكاملة، وجهود مضاعفة، وطرق وأساليب متنوعة، يشترك فيها الجميع لصناعة أجيال قادرة على بناء الحاضر وصياغة المستقبل بكل كفاءة واقتدار.
أيها الطالب الذكي أنت محور العملية التعليمية، وأنت من يجني ثمار جهدك المبذول، لذلك فإن أول وصية لك لبداية العام الدراسي الجديد بشكل إيجابي هي تحديد أهدافك بوعي، فوضوح الغاية يرسم الطريق ويمنح الجهد معناه، وصولاً للأهداف المنشودة، والمخرجات المتوقعة. كما أن تنظيم الوقت والانضباط يمثلان حجر الزاوية في النجاح، إذ يتيحان للطالب الموازنة بين الدراسة والراحة والهوايات.
ولا يكتمل التفوق إلا بتعزيز الهمة الذاتية والدافعية الداخلية؛ وعلى الطالب أن يدرك أن اجتهاده وبذله وعطاءه اليوم هو استثمار لغده، فيستمد طاقته من قناعته بأن مستقبله هو من يصنعه بجهده الوقاد، وانضباطه المستدام، كذلك من المهم أن يسعى الطالب إلى بناء بيئة إيجابية تحفزه على الإنجاز، سواء من خلال اختيار أصدقاء إيجابيين داعمين أو تهيئة مكان مناسب للمذاكرة. وفي مواجهة العقبات تأتي وصية المثابرة وعدم الاستسلام، فكل تعثر هو فرصة للتعلم، والناجح الحقيقي هو من يجعل من التحديات سلماً نحو القمة.
كما أن المعلم هو القدوة والموجه، ودوره لا يقل أهمية عن دور الطالب، ومع بداية العام ينبغي أن يستحضر رسالته السامية في غرس القيم والمبادئ إلى جانب المعرفة، وأن يجعل عمله وسيلة لبناء إنسان متكامل، لا مجرد ناقل للمعلومات.
إن التحضير المسبق للدروس والتخطيط المنهجي يمكّنان المعلم من تقديم محتوى متوازن يجمع بين المعرفة والمهارة والقيمة، ويمنع الارتباك والعشوائية في الطرح وعرض المادة العلمية، كما أن بناء علاقة إيجابية مع الطلاب في بداية الفصل يصنع جسراً من الثقة والاحترام المتبادل، الأمر الذي ينعكس على تجاوبهم داخل الفصل، والانضباط الصفي بدوره لا يقوم على العقاب، بل على قواعد واضحة وعدل تربوي يضمن استقرار البيئة التعليمية.
ومن الوصايا المهمة أيضاً تنويع طرق التدريس لتلبية اختلاف أنماط التعلم، ومراعاة الفوارق والقدرات الطلابية، إلى جانب الاهتمام بالجانب النفسي للطلاب، إذ قد يبدؤون العام بمزيج من القلق والفضول الذي يحتاج إلى من يحتويه ويتعامل معه باحترافية، لتسود البيئة التعليمية الأجواء التنافسية الإيجابية. ولا يغفل المعلم عن توظيف الوسائل الحديثة والتقنيات الرقمية التي تجعل الدرس أكثر تشويقاً، مع الحرص على تطوير ذاته باستمرار ليبقى مواكباً لمستجدات التعليم، وليقدم لطلابه نموذجاً عملياً لقيمة التعلم المستمر.
ومن أهم الوصايا للمعلم أن يكون قدوة لطلابه، وأسوة في تعاملاته وكلماته، فهو الموجه نحو التمسك بالهوية الوطنية، وغارس للقيم السامية التي تعزز التسامح والتعايش وتنبذ العنصرية والتنمر والكراهية، وما أجمل المعلم الذي يحرص على فكر وسلوكيات طلابه، والمتابع لهم كأنهم أبنائه.
والأسرة هي الشريك الأول للمدرسة، وهي الداعم الأكبر لأبنائها في رحلتهم التعليمية، ومع بداية العام تقع على عاتقها وصايا أساسية تبدأ بغرس روح الهمة والتفاؤل، فالكلمة المشجعة والمناخ الإيجابي في البيت ينعكسان مباشرة على نفسية الأبناء، كما ينبغي على الأسرة تهيئة البيئة المنزلية المناسبة للمذاكرة، وتوفير الأدوات والاحتياجات الأساسية التي تجعل الطالب أكثر استعداداً للتحصيل العلمي، والازدياد المعرفي.
إلى جانب ذلك تأتي وصية تنظيم الوقت والمتابعة المستمرة، دون إفراط يثقل الأبناء أو تفريط يؤدي إلى التسيب، مع الحرص على معرفة أصدقاء أبنائهم، فإن الصديق له التأثير الكبير على مستقبل الطالب العلمي والفكري والسلوكي.
والحوار الصادق بين الوالدين والأبناء يفتح قنوات الثقة ويكشف التحديات قبل أن تتفاقم، ومن الضروري كذلك تشجيع الأبناء وتحفيزهم عبر تقدير إنجازاتهم الصغيرة والكبيرة على حد سواء، فذلك يعزز ثقتهم بأنفسهم، ويضفي عليهم روح المسؤولية والعناية بشؤونهم. ولأن الصحة الجسدية والنفسية أساس النجاح الدراسي، فإن متابعة التغذية السليمة، ومراعاة أوقات النوم والراحة، والانتباه لمؤشرات القلق أو الضيق، تمثل ركناً مهماً من مسؤوليات الأسرة. وأخيراً فإن الشراكة الفاعلة مع المدرسة تكتمل بالتواصل مع المعلمين وإدارة المدرسة، بما يضمن متابعة الأداء والسلوك، ودعم رحلة التعلم بشكل متكامل.
إن بداية العام الدراسي ليست مجرد موعد جديد في التقويم، وليس فقط تجهيزات وتوفير المستلزمات قبل بداية العام، بل هي محطة تجديد للعزيمة وإعادة رسم للمسار.
وعندما يلتزم الطالب بالجد والاجتهاد، ويؤدي المعلم رسالته بوعي وإخلاص، وتساند الأسرة أبناءها بروح إيجابية ومسؤولية واعية، فإن منظومة التعليم بأكملها تتحول إلى بيئة خصبة تثمر جيلاً واعياً، واثقاً بنفسه، قادراً على صناعة مستقبله وخدمة وطنه.