في العراق، لا يبدأ موسم الانتخابات إلا وتفتح معه مطاعم الوعود السريعة. تُوزّع "البرامج الانتخابية" كما يُوزَّع منيو الشاورما: كثير من الدسم، قليل من القيمة، ومحشوّ بعبارات مطاطية لا تُهضم.
يكتب المرشح برنامجه وكأنه شاعر شعبي متحمّس:"من أجل عراق جديد" (وهو قادم من أرشيف قديم)، "سنبني المدارس" (وهو لم يزر مدرسة منذ الابتدائية)،"سنكافح الفساد" (وصورته تتوسّط لافتة مع ثلاثة فاسدين محترفين). لا تنسَ البهارات الوطنية: الشهداء، الكرامة، العدالة، تُرش فوق النص كزينة فارغة.
المضحك؟ بعض البرامج يُنسخ حرفيًا من دورات سابقة، حتى الأخطاء الإملائية تبقى كما هي... إرث انتخابي محفوظ.
البرنامج الانتخابي في العراق ليس أكثر من ديكور كلامي يشبه ذلك الصحن المزين في واجهة المطعم، تكتشف لاحقًا أنه من البلاستيك، وهو يشبه "وصفة طبخ" من الإنترنت: عنوانها مغرٍ، صورتها مبهرة، لكن عند التنفيذ تكتشف أنك لا تملك أيًّا من المكونات… ولا حتى المطبخ!
المرشح يبدأ حملته وهو يوزّع نسخًا من برنامجه كأنه يوزّع أسرار السعادة الأبدية: "سأقضي على الفساد، أحقق التنمية، أزرع الورد في الشوارع، وأطير بالبلد إلى مصافّ الدول المتقدمة!" ثم تكتشف لاحقًا أن كل هذه الوعود مكتوبة بخط صغير أسفلها عبارة: "تطبّق الشروط والأحزاب المسيطرة."
بعض البرامج تصل إلى مستوى عالٍ من الإبداع؛ مرشح يعدك بـ"استرجاع هيبة الدولة" وهو نفسه لا يستطيع استرجاع هيبته أمام مسؤول حزبي صغير! والبعض الآخر يضع في برنامجه "إعادة تأهيل الشباب"... رغم أنه لا يعرف الفرق بين التيك توك والبريد الإلكتروني.
من هو هذا المرشح؟ لا أحد يعرف. لكنه يقدّم نفسه هكذا: – دكتور في القانون– ماجستير في النزاهة– خبير في التنمية البشرية– بطل سابق في الكاراتيه– وشاعر بالمناسبة! وفي أحيان أخرى، يضيف عبارة:"متطوع لخدمة أبناء شعبي منذ نعومة أظفاري"!
المرشح لا يحتاج إلى تاريخ سياسي ولا برنامج إصلاحي، كل ما يحتاجه هو صورة فوتوغرافية محترفة، خلفية زرقاء أو خضراء، وبعض "الفلاتر" التي تزيل التجاعيد والضمير. يُعلَّق الملصق على عامود الكهرباء المقطوعة، وتحت صورته عبارة من طراز: "نحو عراقٍ جديد"، مع أن وجهه نفسه يشبه العراق القديم… المتهالك! بعضهم يبتسم كأنما أنهى لتوّه إنجازاً وطنياً، مع أن آخر إنجاز له كان فوزه في سباق توزيع البطانيات الشتوية في صيف العام الماضي.
المشكلة ليست فقط في المرشح، بل في المواطن الذي لا يقرأ أو يقرأ ويضحك، ثم يصوّت لنفس الوجه القديم لأن "ابن عمّه قال إنه خوش آدمي". فـتمرّ البرامج كما تمرّ قائمة الطعام: مليئة بالخيارات لكن في النهاية... الكل يطلب نفس الشيء: "سندويشة فارغة، بس لا تنسون الميرندا!"
عزيزي المواطن، حين ترى مرشحًا يقول لك:"لدينا برنامج انتخابي متكامل لخدمة الوطن!" اسأله بهدوء: كم فقرة فيه نفذتها وأنت خارج المنصب؟ فإن ارتبك، وبدأ يخلط بين "التمكين" و"التمن"، فأنت أمام مرشح لا يقدّم لك برنامجًا… بل يبيعك وجبة وهم ديمقراطي سريع التحضير!


