إيلاف من الرياض: قبل عشرة أعوام، أصدر الرئيس الصيني شي جينبينغ مرسومًا قضى بإنشاء شبكة عالمية من البنى التحتية والتجارة والاتصالات، أطلق عليها في البداية اسم "حزام واحد وطريق واحد". لاحقاً، سُمي هذا المشروع باسم "طريق الحرير الجديد"، ليذكرنا بالإمبراطور المنغولي قوبلاي خان، الذي حكم الصين في القرن الثالث عشر، فأمر ببناء قصر زانادو المنيف الذي يطلق عليه الفرنسيون اسم "النزوة" (une folie).
في مقالة نشرها موقع Gatestone Institute الإلكتروني، يقول الكاتب الأميركي من أصل إيراني أمير طاهري: "إن كان استخدام رسم الطغراء في اللغة المنغولية من أوجه التشابه بين صين الأمس وصين اليوم، فإن نزوة قوبلاي خان تكاد لا تُرى أمام نزوة شي، التي يفترض أن تطال كل بلد من بلدان هذه الأرض. ففي ظل حكام المغول في الصين، كان طريق الحرير مشروعًا تجاريًا خاصاً، ونموذجًا لتجارة رأسمالية حرة، تؤدي إلى رخاء الإنسان، فيما تقوم نزوة شي على ممارسة اقتصادية موجهة، من النوع الذي يسمّى اصطلاحاً ’التخطيط الاشتراكي‘".
تفاهمات بلا مستقبل
دام طريق الحرير الأصلي ناجحاً قرنين من الزمان، وما تلاشى إلا عندما اكتشف الأوروبيون الطرق البحرية. يسأل طاهري: "اليوم، فيما يمرّ الاقتصاد الصيني بمرحلة صعبة، كيف يمكن تقويم أداء مشروع شي جينبينغ حتى الآن؟" ويجيب: "حسنًا، وقعت الصين 215 مذكرة تفاهم غير ملزمة مع 155 دولة و32 منظمة دولية. مع ذلك، ترجم أقل من ثلث هذه المذكرات إلى عقود فعلية". يورد طاهري في مقالته مثالًا على ذلك، فيقول: "في عام 2016، وقعت الصين مذكرة تفاهم من 42 صفحة مع إيران، تضمنت وعوداً بمشروعات اقتصادية لا حصر لها، بينها بناء 400 مدينة جديدة، وثلاث محطات لإنتاج الطاقة النووية، والأهم من ذلك ربما، بناء 10 مراكز لتربية دودة القز. لكن أياً من هذا لم يحدث، وليس مرجحاً أن يحدث في حياة شي جينبينغ".
أدركت بلدان انضمت إلى قطار شي الوهمي أن وعود طريق الحرير الصينية الجديدة لن توصلها إلى ازدهار ظنته في متناول اليد. يقول طاهري: "أدى إطلاق الفيلة البيضاء في سريلانكا إلى إفلاس الجزيرة وتغيير النظام في كولومبو، فيما صارت الصين أكثر ما يكرهه الشعب هناك، بعدما تضرر من الانهيار الاقتصادي بفعل الديون. وبقي خط سكة حديد بطول 750 كيلومترًا بين كينيا وتنزانيا في شرق أفريقيا ناقصاً، على بعد 72 كيلومترًا من العاصمة الكينية نيروبي، بسبب نفاد الأموال المخصصة لها. في السودان، تم التخلي عن مساحات شاسعة خصصت لإنتاج الغذاء لصالح الصين، بسبب الصراع الدموي على السلطة في الخرطوم. وسادت في الباكستان خيبة أمل كبيرة، إذ تأخر العديد من المشروعات التي بلغت تكاليفها الإجمالية 62 مليار دولار، أو تم التخلي عنها بسبب استعار حرب العصابات في بلوشستان، وعمليات اختطاف العمال الصينيين. وفي كازاخستان، جددت البنية التحتية المبنية في الحقبة السوفياتية من دون أي طائل". وفي ما يشبه تأثير تساقط حبات الدومينو، تقف 20 دولة في أقل تقدير على شفير التخلف عن سداد ديونها، "فنصف ميزانيتها الوطنية يذهب لخدمة ديون خارجية، معظمها مستحقة للصين. تخلفت غانا وزامبيا عن سداد ديونهما بالفعل، وأنقذت الباكستان بمنحة قيمتها ثلاثة مليارات دولار من صندوق النقد الدولي"، بحسب ما يضيف طاهري.
على الجبهة الداخلية، لا تبدو الحال أفضل. يلاحظ طاهري في مقالته أن أكثر من ألف شركة صينية متورطة في نزوة شي، "في حين يوفّر التمويل من ثلاثة بنوك صينية تملكها الدولة بأسعار فائدة تحددها اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، فيما تقوم بكين أيضًا بتصدير جزء من بطالتها بإرسال أكثر من مليون عامل إلى نحو 40 دولة". يضيف طاهري: "ربما يكون هذا استمرارًا لتقليد ساد في القرن التاسع عشر، عندما ساعد العمال الصينيون في بناء شبكة السكة الحديد في الولايات المتحدة وأميركا الجنوبية. لكنه يخلق استياء في البلدان المضيفة التي تعاني هي نفسها من بطالة جماعية مرتفعة". فمخطط شي يرقى إلى احتكار جانب العرض عندما يتعلق الأمر بالعمالة ورأس المال والتكنولوجيا. ومن ناحية الطلب، فهو احتكار أصلاً (مشتر واحد فقط) لأن الصين تحصل على الحق في أولوية رفض شراء السلع والخدمات التي تنتجها هذه المشروعات.
ربما يندم الآن
لكن، يسأل طاهري: "هل هذا ملائم للاقتصاد الصيني؟". بالطبع لا. يقول طاهري: "بعد أن نسي شي الحذر الكونفوشيوسي التقليدي، ربما يندم الآن على نزوته هذه. فافتراضه أن العالم صفحة بيضاء يستطيع أن يرسم عليها قصر زانادو عالمي، ربما يكون مضللًا. فهذا عالم متزايد التعقيد، تتفشى فيه مشكلات الهوية والفخر الوطني، إن لم نقل الانتماءات القبلية. وفي الوقت نفسه، تعاني كل البلدان المعنية تقريبًا مشكلات مع جيرانها، وسيكون لزامًا على شي أن ينحاز إلى أحد الجانبين في مرحلة ما".
إن ظن شي أن نزوته العالمية ستفيد الصين وحدها، فهو خاطئ أيضًا. فأي سكة حديد أو ميناء أو قناة تابع لطريق الحرير، سيكون الجميع قادرًا على استخدامها، بما في ذلك خصوم الصين كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. وإن كان شي يأمل في أن تنهي خطته الهيمنة الغربية، فهذا أيضًا أمر مفتوح على التساؤلات، فالقوى الغربية تتحكم بنحو 80 في المئة من تجارة الصين الخارجية.
ويختم طاهري مقالته متوجهًا إلى الزعيم الصيني: "أرجوك أن تلاحظ أن البشر يستاءون ممن يقدم لهم الخدمات، حتى لو كان صادقًا. فإن الجحود جزء من حقوق الإنسان".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع Gatestone Institute الإلكتروني