عندما تلتقي أكبر اقتصادات العالم في جوهانسبرغ (جنوب إفريقيا) نوفمبر المقبل، سيكون المشهد أبعد من مجرد قمة اقتصادية؛ بل اختباراً لقدرة مجموعة العشرين على إعادة صياغة النظام العالمي في زمن الانقسامات، في قلب هذا المشهد تقف المملكة في موقعها الفريد، ليس كعضو فاعل فحسب، بل كلاعب محوري يمتلك قدرة استثنائية على الجمع بين ضفتي العالم؛ الشمال الصناعي المتقدم، والجنوب الباحث عن نصيبه العادل من التنمية.
اختيار إفريقيا لاستضافة القمة للمرة الأولى يضع على الطاولة قضايا طالما ظلت على هامش النقاشات العالمية: أزمات الديون، وفجوة التمويل، والتنمية المستدامة، وأمن الإمدادات، وهنا يبرز الدور المحوري للمملكة وقدراتها مع القوى الكبرى في الشرق والغرب، فهي نجحت في بناء شبكة علاقات استراتيجية مع العالم النامي، لتكون الرياض قادرة على نقل وجهات النظر إلى طاولة التفاوض العالمية، وفي الوقت نفسه ترجمة الهواجس العالمية إلى خطط قابلة للتطبيق في الجنوب.
منذ إطلاق رؤية 2030، رسخت المملكة نموذجًا للتحول الاقتصادي قائمًا على تنويع الموارد والاستثمار في الإنسان والبنية التحتية، وهو نموذج يمكن أن يلهم دولًا إفريقية تسعى لتحقيق قفزات تنموية سريعة، وحين تعرض المملكة هذا النموذج في قمة جوهانسبرغ، فهي لا تقدمه كمجرد قصة نجاح محلية، بل كخيار عالمي قابل للتكييف مع البيئات المختلفة.
حضور المملكة في قمة العشرين بجوهانسبرغ لن يكون مجرد مقعد على الطاولة، بل رسالة واضحة: أن الرياض، بموقعها الفريد، قادرة على أن تكون همزة الوصل في زمن الانقسام، وصوت الاعتدال في عالم مضطرب، وجسر العبور نحو نظام دولي جديد يضع مصلحة الجميع في قلب القرار.
المملكة تدخل قمة العشرين المقبلة في جوهانسبرغ وهي في موقع استثنائي، يعكس صعودها السريع في مؤشرات الاقتصاد والتأثير الدولي خلال الأعوام الأخيرة، فقد سجلت الرياض تقدمًا ملحوظًا في مؤشرات التنافسية العالمية، وجاذبية الاستثمار، وكفاءة البنية التحتية، مدفوعة برؤية 2030 التي أعادت صياغة أولويات الاقتصاد الوطني باتجاه التنويع والابتكار، هذا الصعود لم يكن اقتصاديًا فحسب، بل ترافق مع حضور دبلوماسي نشط جعل المملكة وسيطًا محوريًا في الملفات الإقليمية والدولية، الأمر الذي يمنح مشاركتها في القمة وزنًا مضاعفًا، ويجعل صوتها حاضرًا في صياغة أجندة عالمية تراعي توازن مصالح الشمال الصناعي والجنوب النامي.