: آخر تحديث

اقتصاد الثقافة المبدع

10
6
8

حين تلتقي الثقافة بالاقتصاد، يولد شكل جديد من التنمية يقوم على الإبداع والمعرفة، ويمنح المجتمع أفقاً أكثر رحابة. من هنا يمكن قراءة دلالة مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025 الذي ينطلق في الرياض تحت رعاية صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء –حفظه الله–، ليكون منصةً دولية تفتح أبوابها أمام العقول والخبرات من مختلف أنحاء العالم، بحثاً عن مستقبل يجعل من الثقافة رافداً اقتصادياً أصيلاً، لا مجرد ترف أو نشاط هامشي، مُحققاً بذلك أحد عناصر ومرتكزات رؤية المملكة 2030 التي وعدت بـ"اقتصاد مزدهر". كما أنّ المؤتمر يعطي مؤشّراً ودلالة واضحين؛ وهي أنّ الثقافة تتجاوز المفهوم النمطي التقليدي الذي يضعها في حيّزٍ ضيّقٍ، وهو النشاطات والاشتغالات الثقافية المختلفة؛ لتصحح بذلك المفهوم الأوسع والأرحب والأشمل لمفهوم الثقافة لتمتدَّ نحو آماد وفضاءات إبداعية تشمل كل شيء بما فيها الاقتصاد.

فأن تحتضن بلادنا مؤتمراً دولياً، يستقطب أكثر من مئة خبير محلي ودولي، ويطرح 38 جلسة نقاشية، فهو حدث لا يمثّل مناسبة فكرية فقط، بل إنّه يخلق منصة استراتيجية ترسم ملامح سوق ثقافية سعودية واعدة، قادرة على أن تجذب الاستثمار، وتولّد فرص العمل، وتضيف قيمة نوعية للناتج المحلي.

من المهم الاستبشار خيراً بهذا الحدث العالمي، والذي يُعدّ المؤتمر الأول من نوعه في المملكة؛ إذ إنّه يكرّس رؤية جديدة للثقافة باعتبارها صناعة كبرى تتقاطع فيها الفنون والآداب مع الاقتصاد والسياسة والمجتمع. ومن هنا نستقرئ ملمحاً مهمّاً، وهو أن المؤتمر يتجاوز كونه نقطة لقاء أو تجمُّع معرفيّ، ليضعنا أمام واقع مبهج نفتخر به؛ وهي أننا نجحنا في توسيع دائرة ومفهوم الثقافة، لنراهن فعلاً على أننا نقدّم عملاً وفعلاً مؤسسياً ذا رسالة جليّة وواضحة وهي: إن الثقافة عنصر أساس في معادلة التنمية، وإنها قادرة على أن تخلق وظائف، وتستقطب استثمارات، وتغذي الناتج المحلي، تمامًا كما تفعل الصناعات الكبرى.

إن مشهدنا الثقافي كان ثمار رؤية حصيفة ناجعة، رؤية استصحبت معها أهداف ومضامين الرؤية المباركة والعظيمة، فكانت الثقافة جزءاً لا يتجزّأ من الحراك والتحول الوطني الذي طال كل الحقول والمجالات. فكان من ثمرته أن تحولت المملكة سوقاً ثقافية ناشئة وواعدة، ومنفتحة على العالم بكل ثقة، ولم تنكفئ أو تنغلق على ذاتها، بل تُقدّم نفسها للعالم عبر مؤتمر يشارك فيه أكثر من 100 خبير عالمي، من رؤساء دور المزادات العالمية إلى رواد الصناعات الإبداعية وصنّاع السينما.

من هنا فإننا نعلن بكل يقين جازم وواثق أننا نعيش زهْوَ مرحلة جديدة في علاقتها بالثقافة؛ مرحلة تجعل من الثقافة صناعة لا تقل أهمية عن النفط أو التكنولوجيا. وتكمن الرسالة الأعمق في أن المستقبل السعودي يُبنى على أكثر من مورد، وأن الثقافة –بما تحمله من قوة ناعمة وأفق إنساني– ستكون أحد أعمدة هذا المستقبل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد