إنفاذًا لتوجيهات سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود -يحفظه الله- أعلنت وزارة البلديات والإسكان خرائط النطاقات الجغرافية الخاضعة لتطبيق رسوم الأراضي البيضاء في مدينة الرياض.
يأتي ذلك الإعلان ضمن حزمة من القرارات التي وجه بها سموه الكريم في وقتٍ سابق من هذا العام، بهدف ضبط إيقاع النشاط العقاري وتحفيز التطوير العمراني في المدينة، والتي شملت تحديث رسوم الأراضي البيضاء، ورفع الإيقاف عن عدد من المخططات، إلى جانب طرح أراضٍ للمواطنين بسعر 1500 ريال للمتر وفق اشتراطات محددة، وتنظيم العلاقة التعاقدية بين المؤجر والمستأجر.
كما ويأتي ذلك الإعلان استكمالًا لجهود القيادة الرشيدة الرامية إلى معالجة التشوهات في السوق العقاري، وتحفيز تطوير الأراضي غير المستغلة داخل النطاقات العمرانية المستهدفة، بما يسهم في زيادة المعروض من الأراضي المطورة، وتحقيق التوازن بين العرض والطلب، والحد من الممارسات الاحتكارية، وتوفير الخيارات السكنية المناسبة للمواطنين بأسعار مناسبة.
كما وتُعد القرارات أداة تنظيمية فاعلة لدعم النمو العمراني المستدام، وتعزيز الكفاءة في استخدام الأراضي، بما ينسجم مع أهداف رؤية المملكة 2030 في تحسين جودة الحياة وتوفير خيارات سكنية متنوعة للمواطنين.
ووفقًا لإعلان وزارة البلديات والإسكان، ستُطبق الرسوم السنوية بنسبة 10 % على الأراضي الواقعة في الشريحة ذات الأولوية القصوى، و7.5 % للعالية، و5 % للمتوسطة، و2.5 % للمنخفضة، بالإضافة إلى شريحة خارج نطاق الأولويات ولم يُفرض عليها رسوم وتحتسب من ضمن مجموع الأراضي البيضاء المملوكة للمكلف داخل نطاق المدينة.
كما وأكدت الوزارة على أن اللائحة التنفيذية لرسوم الأراضي، تضمن استمرارية فاعلية الرسوم من خلال المراجعة السنوية للوضع في أي مدينة أو نطاق جغرافي، حيث سيتم تقييم المعروض العقاري ومؤشرات الأسعار والممارسات الاحتكارية بشكل دوري، وبناءً عليه يتم اتخاذ قرار باستمرار تطبيق الرسوم أو تعديلها أو تعليقها لضمان تحقيق الأهداف المنشودة.
ودعت الوزارة جميع ملاك الأراضي الواقعة ضمن النطاقات المعلنة إلى المبادرة بتسجيل أراضيهم خلال المهلة النظامية المحددة بـ60 يومًا عبر البوابة الإلكترونية للبرنامج لتفادي الغرامات الناتجة عن عدم التسجيل التي وقد تصل إلى 100 % من قيمة الرسم، ويُمكن للملاك والمطورين الاستفادة من خدمات مركز "إتمام" لتسريع اعتماد المخططات وإصدار التراخيص، بما يُسهّل عمليات التطوير ويرفع كفاءة الاستثمار العقاري.
يُذكر أن فكرة رسوم الأراضي البيضاء بُنيت على مبدأ راسخ من مبادئ الحوكمة الرشيدة والتنمية المستدامة، وتحقيق المصلحة العامة ومنع الضرر، وهو مقصد نبيل وهدف سامٍ تسعى إليه الأنظمة العادلة، ويتماشى مع مقاصد الشريعة الإسلامية. كما ويُسهم هذا التوجه بفاعلية في منع الاحتكار وتعطيل مصالح الناس، عبر تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، وضمان الاستخدام الأمثل للأراضي داخل النطاق العمراني.
إن فرض هذه الرسوم يشكّل حافزًا مباشرًا للمُلاك لتطوير أراضيهم أو عرضها للبيع، بما يُسهم في رفع المعروض من الأراضي المطوّرة، وبالتالي كبح الارتفاع غير المبرر في أسعار الأراضي، وخاصة في المدن ذات النمو العمراني المتسارع مثل مدينة الرياض، التي ما زالت تحتوي على مساحات شاسعة من الأراضي البيضاء غير المستغلة، حيث قد كشف برنامج الأراضي البيضاء عن تسجيل أكثر من 16 مليون متر مربع من الأراضي البيضاء المطورة التي تنطبق عليها معايير المرحلة الثانية من الرسوم، موزعة على 21 حيًا سكنيًا في مدينة الرياض، وهو ما يمثل أكثر من 63 ٪ من إجمالي المساحات المسجلة بعد إصدار فواتير الدورة الأولى من هذه المرحلة في 100 حي بالرياض.
ويُجسد هذا الرقم الكبير حجم الفرص التنموية الكامنة في القطاع العقاري، كما يعكس الأثر الفعّال للرسوم في تحفيز السوق وتوجيهه نحو تنمية حقيقية تُعزز أهداف العدالة السكنية، وتُسهم في تحقيق التوازن بين العرض والطلب، وتشجع على الاستثمار المسؤول. كما ويؤدي بدوره إلى تنشيط الدورة الاقتصادية من خلال تحريك قطاعات حيوية مثل المقاولات، والتمويل، والخدمات المرتبطة بالتطوير العقاري، لا سيما وأن القطاع العقاري يُعد محرّكًا اقتصاديًا لأكثر من 60 قطاعًا ونشاطًا اقتصاديًا.
ومن شأن هذه الإجراءات أن تخلق بيئة أكثر عدالة وكفاءة في تخصيص الموارد المالية والكوادر البشرية، وتحد من ظاهرة "الاكتناز العقاري" التي تُشكل عبئًا كبيرًا على الميزانية العامة للدولة، وتدفع نحو توسع عمراني غير مبرر، يحمّل الدولة تكاليف باهظة في البنية التحتية والخدمات الأمنية وغير الأمنية، لمواكبة النمو والزحف السكاني المتسارع.
إن تطبيق الرسوم سيسهم في تحريك السيولة المالية لدى الأفراد والمستثمرين، حيث أشار التقرير الإحصائي الشهري الصادر عن البنك المركزي السعودي في يوليو 2035 إلى أن حجم السيولة النقدية خارج القطاع المصرفي بلغ نحو 242 مليار ريال سعودي، حيث يمثل ذلك فرصة لتحفيز حركة هذه الأموال نحو الاستثمار المنتج في تطوير الأراضي والعقارات، بدلًا من بقائها مجمدة خارج الدورة الاقتصادية، مما ينعكس إيجابًا على مختلف القطاعات المرتبطة بالتنمية العقارية والإسكانية.