رامي الخليفة العلي
إسرائيل اليوم لم تعد دولة تبحث عن الأمن كما تدّعي، بل تحوّلت إلى قنبلة موقوتة تهدّد استقرار الشرق الأوسط برمّته، بسياساتها المتهوّرة وحكومتها اليمينية المتطرفة التي تدير ظهرها لكل القوانين الدولية والاتفاقيات الإنسانية، وتفرض واقعاً من الفوضى والإقصاء. ما يجري في قطاع غزة ليس سوى المشهد الأكثر دموية في مسلسل طويل من الجرائم، إبادة جماعية مكتملة الأركان تُرتكب على مرأى ومسمع العالم، حيث سقط عشرات الآلاف من الشهداء تحت آلة القتل الإسرائيلية، فيما يُدفع مئات الآلاف نحو التهجير القسري في أخطر عملية تطهير عرقي يشهدها القرن الحادي والعشرون، وسط صمت دولي مريب واكتفاء ببيانات تنديد لا توقف نزيف الدم. لكن المأساة لا تتوقف عند حدود فلسطين، فإسرائيل فتحت أكثر من جبهة في وقت واحد، وواصلت عدوانها المستمر على الأراضي السورية في تحدٍّ صارخ لكل مبادرات السلام التي أعلنتها دمشق. ورغم أن الإدارة السورية الجديدة أكدت مراراً رغبتها في إقامة علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وعدم الاعتداء، فإن إسرائيل تتعمّد استفزاز سوريا، وتدفعها نحو حافة الانفجار، بل وتذهب أبعد من ذلك بتغذية الانقسامات الداخلية ورعاية الشقاق الطائفي والمذهبي، في محاولة لصناعة واقع جديد يقود إلى تفكيك الدولة السورية وإضعافها بالكامل. ما تفعله إسرائيل ليس مجرد اعتداءات معزولة أو ردود فعل أمنية كما تزعم، بل هو مشروع ممنهج لإعادة تشكيل المنطقة بالقوة، تفجير كامل للأمن الإقليمي، وإغراق الجميع في فوضى مدمّرة، متجاهلة أن هذا النهج لن يقود إلا إلى نتائج كارثية عليها قبل غيرها. وفي المقابل، تتحرك المملكة العربية السعودية بحكمة ومسؤولية لتعزيز الاستقرار، وتهدئة الأزمات، ودفع عجلة التنمية، وصياغة مستقبل آمن ومزدهر للمنطقة بأسرها، بينما تصر إسرائيل على السير عكس هذا التيار، مديرة ظهرها للسلام، رافضة أي مسار دبلوماسي، ومنغمسة في إراقة الدماء وانتهاك القوانين الدولية، متوهمة أن تفوقها العسكري يمنحها القدرة على فرض شروطها على الجميع إلى الأبد. لكن هذه السياسة قصيرة النظر، فالتاريخ يُثبت أن القمع يولّد مقاومة، وأن موازين القوى قد تتغيّر سريعاً عندما تتراكم أسباب الانفجار. إن استمرار إسرائيل في ارتكاب هذه الجرائم سيُعيد المنطقة إلى دائرة التطرف والفوضى، ويُنعش التنظيمات المتشدّدة التي ستجد في صور المجازر والدمار وقوداً لاستقطاب المزيد من الأتباع، كما سيُفجّر موجات جديدة من العنف العابر للحدود، مهدّداً الأمن العالمي بأسره. ولن تتوقف التداعيات عند الأمن، بل ستمتد لتشل مشاريع التنمية الكبرى وتُقوّض فرص التعاون الاقتصادي بين دول المنطقة، وتحرم شعوبها من حقها في مستقبل أفضل. المنطقة اليوم تقف على حافة هاوية خطيرة، والسبب المباشر هو الاحتلال الإسرائيلي وسياسات حكومة نتنياهو التي تتعمّد إشعال الحرائق في كل مكان. إن لم يتم كبح هذا التطرّف الإسرائيلي ووقف سياسات التهجير والمجازر، فإن القادم سيكون أشد خطراً، وإسرائيل نفسها ستكون أول من يدفع الثمن، لأن من يزرع الفوضى لا يمكنه أبداً أن ينجو من نيرانها.