: آخر تحديث

محمد بن سلمان.. هندسة التحول السعودي وصناعة التوازنات العالمية

4
5
5

لقد أثبت ولي العهد أن القيادة الشابة قادرة على الجمع بين الطموح والواقعية، بين الحزم والانفتاح، بين المحافظة على الثوابت والشجاعة في التغيير.. ومع كل ما تحقق من إنجازات خلال سنوات قليلة، فإن المملكة تمضي اليوم بخطى واثقة لتفرض نفسها لاعبًا محوريًا لا يمكن تجاوزه في صياغة مستقبل المنطقة والعالم..

تحلّ ذكرى ميلاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في وقت تتسارع فيه التحولات التي تشهدها المملكة داخلياً وخارجياً، ليجد المتابع نفسه أمام تجربة قيادية استثنائية أعادت صياغة موقع المملكة ودورها في العالم. فالأمير الشاب، منذ توليه المسؤوليات الكبرى، لم يكتفِ بإدارة الملفات التقليدية، بل أطلق مشروعاً شاملاً لإعادة تعريف السعودية: من دولة نفطية تعتمد على ريعها، إلى دولة محورية ذات تأثير سياسي واقتصادي وحضاري واسع.

لقد نجح ولي العهد في إعادة تشكيل الصورة الذهنية للمملكة على المستويين الإقليمي والعالمي، فلم تعد السعودية تُختزل في النفط أو في صورة نمطية ثابتة، بل غدت نموذجاً متجدداً يسعى إلى التوازن بين الأصالة والمعاصرة، رؤية السعودية 2030، التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، مثّلت إطاراً استراتيجياً لذلك التحول؛ إذ وضعت أسساً لتنويع مصادر الدخل، وجعلت من الاستثمار في التقنية والطاقة المتجددة والسياحة والثقافة ركائز رئيسية لمستقبل الاقتصاد السعودي.

على الصعيد الاقتصادي، نقل ولي العهد المملكة من الاعتماد الأحادي على النفط إلى مسار أكثر تنوعاً، والمشاريع العملاقة مثل "نيوم"، و"البحر الأحمر"، و"القدية" ليست مجرد مشروعات تنموية، بل مختبرات اقتصادية وفكرية تسعى إلى جذب الاستثمارات العالمية وإنتاج أنماط جديدة من التنمية. وفي الوقت ذاته انعكست الإصلاحات على الداخل الاجتماعي؛ إذ ارتفعت مشاركة المرأة في سوق العمل إلى مستويات غير مسبوقة، وتوسعت الفرص أمام الشباب، لتصبح التنمية شاملة وعابرة للأجيال.

أما في السياسة، فقد أظهر الأمير محمد بن سلمان قدرة لافتة على موازنة العلاقات بين القوى الكبرى، من واشنطن إلى بكين، مروراً بموسكو وبروكسل. وقدمت المملكة في هذه المرحلة نفسها باعتبارها قوة مستقلة القرار، تبحث عن مصالحها الوطنية وتبني شراكات متنوعة بعيداً عن الارتهان لمحور واحد، وعلى الصعيد الإقليمي، أعاد ولي العهد صياغة الدور السعودي عبر مبادرات للتهدئة وبناء الجسور، سواء في الملف اليمني أو في استعادة العلاقات مع إيران، فضلاً عن الانفتاح على قضايا السلام الأوسع، هذه السياسات جعلت الرياض مركز ثقل دبلوماسيا، ووجهة لكل من يسعى إلى حلول واقعية لأزمات المنطقة.

ولا تقف الرؤية عند حدود الاقتصاد والسياسة، بل تمتد إلى البيئة والإنسان، فالمبادرات الكبرى مثل "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر" تعكس وعياً أن التحديات العالمية، وعلى رأسها المناخ، تحتاج إلى أدوار جديدة من دول الطاقة الكبرى، وقد استطاعت المملكة أن تضع نفسها في قلب هذه النقاشات، مقدمة نموذجاً لدولة تجمع بين إنتاج الطاقة التقليدية والعمل على مستقبل مستدام. وإلى جانب ذلك، حافظت المملكة على حضورها في مجالات الإغاثة والدعم الإنساني، مؤكدة أن تحولها الاقتصادي والسياسي لا ينفصل عن رسالتها الأخلاقية.

بهذه المنهجية أعاد ولي العهد تعريف مفهوم القوة السعودية. فلم تعد القوة محصورة في الثروة النفطية أو الثقل الديني والجغرافي، بل باتت شاملة: اقتصادية عبر المشاريع التنموية، سياسية عبر شبكة التحالفات المتوازنة، ثقافية عبر الانفتاح على الفنون والرياضة، وبيئية عبر المبادرات العالمية. هذه الأبعاد مجتمعة جعلت من المملكة رقماً صعباً في معادلة الاستقرار الإقليمي والسلام العالمي.

إن ذكرى ميلاد الأمير محمد بن سلمان ليست مجرد محطة شخصية، بل مناسبة للتأمل في مسار دولة بكاملها تعيد تموضعها في النظام الدولي.. لقد أثبت ولي العهد أن القيادة الشابة قادرة على الجمع بين الطموح والواقعية، بين الحزم والانفتاح، بين المحافظة على الثوابت والشجاعة في التغيير.. ومع كل ما تحقق من إنجازات خلال سنوات قليلة، فإن المملكة تمضي اليوم بخطى واثقة لتفرض نفسها لاعبًا محوريًا لا يمكن تجاوزه في صياغة مستقبل المنطقة والعالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد