صيغة الشمري
السفر متعة لا يحسها إلا من عاش تفاصيلها المختلفة بعيداً عن استنساخ تجارب الآخرين، فالمغامرة والاكتشاف يجعلان للرحلة طعما، وليس كما يفعل الكثيرين في عالم اليوم ذي الفضاء المفتوح بتقليد بعضهم وتكرار نسخ السفر بـ»الكربون».
وعندما نهم بالسفر نرى جداول مكتظة بالمطاعم المشهورة، والفنادق الفاخرة، والأنشطة التي ينبغي القيام بها، وكأن السفر امتحان لا بد أن نجيب فيه على الإجابات نفسها في حين أنه غير ذلك تماماً لمن يدرك معنى «التجربة المختلفة»، فالشخص الحصيف هو من سيعرف أن السير على خطى الغير في رحلة سياحية لن يكون له معنى على الإطلاق، بل ربما يفسد علينا فرصة استكشاف الكثير.
ومن وجهة نظري الشخصية، أرى أن السفر في جوهره ليس انتقالاً من مدينة إلى أخرى، بل انتقال داخلي يقودك لاكتشاف نفسك قبل اكتشاف الأماكن من حولك، فحين تستيقظ متأخراً في أجواء غير التي اعتدت عليها وتشعر براحة لم تتذوفها من قبل في أجواء بادرة، وحين تختار السير بلا وجهة في حيّ جانبي لا يذكره أي دليل سياحي، فأنت لا تتخلى عن «الخطة التي رسمها غيرك» بل تكتب خطتك الخاصة بإتقان وبراعة دون ضغوط أو تقليد أعمى، وعندها تشعر بمتعة لا تضاهيها متعة.
ومن وحي تجاربي في السفر، يبدو لي أن الرحلة الحقيقية لا تحتاج إلى أن تبرهن أنك ميسور أو أنك من أصحاب الذوق «الفاخر» في كثير من الأحيان، لأن لحظة جلوسك على مقعد خشبي في مقهى صغير لتحتسي فنجان قهوة بلا اسم عالمي، قد يمنحك إحساساً أصدق من عشرة صور أمام معالم مزدحمة لا تشعر فيها بطعم الراحة، بل الإرهاق و»ضيق الخلق»، لأن القيمة ليست في المكان وحده، بل في اللحظة التي تعيشها بكل حواسك.
وأرى أن الشخص عندما يستنسخ تجربة غيره في السفر، فإنه يسجن نفسه في إطار ليس له على الإطلاق وفي عالم مختلف عن عالمه، فما أسعد الآخرين ربما يتعسه أو قل لا يسعده، وما أدهشهم قد يبدو معتاداً بالنسبة له، فكل شخص له ذوقه الخاص واختياراته في الحياة بمختلف مجالاتها وليس السفر وحده.
ومن هنا، لابد لي من الإشارة إلى أن السفر ليس استعراضاً ولا تكراراً، بل مساحة تتسع للذات كما هي، بميولها وعاداتها واندفاعاتها ورغباتها، وهو الحكاية التي يكتبها الشخص وحده حتى وإن لم يشاهدها أحد.