: آخر تحديث

عند دمج " لو" مع الأشياء المرغوبة

3
3
4

ميسون الدخيل

أشعر بكم، لكنكم تبدون بعيدين وكأنني أحاول أن ألمس وجه القمر بكفيّ، أريد حقًا أن أتواصل معكم، كما كنت أفعل منذ زمن غير بعيد، ولكنني أشعر أنكم هجرتم أدوات كانت بين أيديكم للتواصل العميق، المحزن حقًا أن الطريقة الوحيدة للوصول إليكم هي عندما أضطر إلى استبدال واقعي بعالم لا أؤمن به وأدخل إلى عالم يعج بالصور والأصوات! في هذا العصر أجد أن تجربتكم تتصارع في دوامة من الشاشات والتنبيهات الصوتية لشدكم إلى شبكة من التجارب المزيفة حيث تلاشت الحدود ما بين الواقع والوهم! بينما أصبحت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والألعاب والتصفح اللا نهائي هي أشكال التفاعل السائدة لديكم، فإنها تخلق أيضًا حواجز بينكم وبين التجارب الغنية التي تقدمها الحياة؛ لا يتعلق الأمر فقط بفصل أنفسكم عن الأجهزة، بل يتعلق بإعادة الاتصال بجوهر ما يعنيه أن تكون إنسانًا. في عالم اليوم، قد تبدو الفرص للتواصل العميق نادرة؛ يمكن أن تُختصر المحادثات غالبًا في تبادل الرموز التعبيرية أو التعليقات القصيرة، مما يفتقر إلى العمق والغنى الذي يمكن أن تقدمه الحوارات الحقيقية، لكن هذه الحاجة إلى التواصل تعتبر أكثر أهمية من أي وقت مضى لأنه من الضروري إيجاد طرق للمشاركة في مناقشات ذات مغزى حول الأفكار والأحلام والمخاوف والآمال للتمكن من اكتشاف القواسم المشتركة، فالفهم المتبادل يتجسد في رسم ابتسامة بعد كل ألم أو احتفال بعد كل نجاح، وهل هنالك أجمل من مشاركة التجارب مع الغير سواء كانوا أحبة أم غرباء، كون المرء يشعر بقيمة ما مر به، يكفي أن يمده بالمزيد من النشاط كي يستمر ويتعلم وإن استطاع أن يُعلم أيضًا. يمكن أن تنير حكم الأجيال الماضية الطرق التي نختارها أو التي تظهر لنا فجأة في الحياة وليس أمامنا خيار سوى أن نعبر هذا الجسر أو نمضي في ذاك الطريق: هناك قصيدتان استثنائيتان مررت عليهما مؤخرًا، وكتب الأدب من حول العالم وفي جميع الحقب تنضح حكمًا وأمثالاً كالتي وجدت وشعرت عند قراءة كل منهما، ولكن بما أن القراءة هزت ولامست روحي بدا لي أن ذلك قد يفتح أمامي بابًا لأتواصل معكم - لربما للمرة الأخيرة - أجد أن مشاركة الحكم التي تضمنتها تطرق باب أحرفي لتسطر وتقرأ، التي لو استطعتم الرجوع إليها سوف تستمدون أكثر مما قد أنقله إليكم هنا: قصيدة «Desiderata» لــ «ماكس إرمان» و«If-» لـــ «روديار كبلينج»، عبارة عن نصائح تشجعنا على السعي نحو النزاهة والتعاطف واللطف في المعاملة حتى في خضم الشكوك والفوضى، فمثلًا «Desiderata» والتي هي في الأصل كلمة لاتينية تعني «الأشياء المرغوبة» وفي الإنجليزية، تشير إلى قائمة من الأشياء التي يتمنى المرء الحصول عليها أو يثمّنها بشدة، وفي سياق القصيدة تُعبّر هذه الكلمة عن الرغبات الأساسية أو المبادئ التوجيهية لعيش حياة مُرضية وذات معنى: حيث تدعو كل فرد للذهاب بسلام وسط الضوضاء والعجلة، وتحث على تعزيز السلام في النفوس ومعاملة الآخرين باللطف، بمعنى أن رسالتها البليغة بشأن الحفاظ على النزاهة وسط الفوضى الخارجية تتحدث كثيرًا عن كيفية التنقل ما بين التفاعلات؛ تدعو إلى احتضان القيم وتؤكد أن لدى كل امرئ الحق في السعي وراء السعادة. ومن ناحية أخرى، تُعبّر «If-» عن قائمة قوية من الفضائل، حيث توضح السمات اللازمة لتحمل تحديات الحياة، تعلم أن الإشباع الحقيقي يأتي من المسؤولية الشخصية، والمرونة، والشجاعة للوقوف بثبات عند التمسك بالمعتقدات، كما تحدد هذه القصيدة خارطة طريق لتطوير الشخصية في مواجهة المحن - مسلطةً الضوء على أهمية الصبر والتواضع والقوة، وهذه القيم ليست مجرد بقايا من الماضي؛ بل هي أدوات أساسية لمواجهة تحديات اليوم. هذه القصائد أكثر من مجرد جمال شعري، لكن كيف يمكن أن تكون هذه التعاليم القديمة ذات صلة في عالم يتغير بسرعة؟ لالتقاط جوهر كل منهما أقدم بين أيديكم تجربة متواضعة لربما تصل روح الرسالة عند التحدث إليكم مباشرة «لو» أن الرسالة بلغتها الأصلية لم تلامس «الأشياء المرغوبة» لديكم: في سعيك نحو الحياة؛ أيها العابر ما بين أمواج الحياة تحرك بجرأة عبر العالم، بقلب مفتوح وعقل مفتون بالبحث والفضول. لا تنخدع بانعكاسات الظلال على الشاشات المضيئة، وابحث عن الحقائق التي تسكن بداخلك - الروح الإنسانية لم تخلق إلّا متشابكة. كن قويًا في وجه الشك والخوف، لأن نسيج الحياة الغني هو لك لنسجه، ففي التجارب، ابحث عن قوتك، نورك، احتضن صوتك؛ وفي الثقة، آمن. وسط الفوضى، ابحث عن سلامك، اجعل الإيمان منارتك الهادية. على الرغم من أن المد قد يتغير والعواصف قد ترتفع، كن ثابتًا، كن صادقًا، كن تمامًا أنت... كما أنت. احط نفسك بقلوب صادقة، واجعل من الأمل درعًا لك.. في اللحظات الضائعة، خذ وقتك لتتنفس؛ فمع كل اختيار، قدرك يتكشف. احتفظ بأحلامك، كبيرة كانت أم صغيرة، لكن عِش اليوم؛ لا تنتظر عبثًا. لأن اللحظات العابرة هي هدايا حتى ولو كانت مجرد...عابرة في كل فرحة، في كل ألم. انظر بعيدًا عن الشاشات؛ احتضن الواقع، تفاعل مع الحياة ومع من تحب. لأنه في الهدوء... سكون، عندها... تصبح أنت النور الذي يتألق في سماء من فقد الأمل. باستعراض هذه الأفكار، أريد أن أؤكد أنكم لستم وحدكم في رحلتكم؛ يشارك الكثيرون منا - سواء كانوا شبابًا أو كبارا في السن - الصراعات نفسها ولطموحات نفسها، قد يجعل العالم الرقمي الأمر يبدو وكأنكم معزولون، لكن الحقيقة هي أن هناك مجتمعًا شاسعًا يتطلع للتواصل، والمشاركة، والنمو معكم. بالنهاية إن جيلكم مبدع ومتعدد الموارد والمواهب، قادر على إحداث التغيير، والتحديات التي تواجهونها ليست مستعصية؛ بل هي محفزات للنمو والتطور؛ فمن خلال احتضان القيم التي عبرناها هاهنا سويًا يمكنكم تشكيل مسار ذي مغزى لأنفسكم وللآخرين. لدي إيمان بكم لأننا نتشارك بالجذور نفسها وخلقنا من قبل إله واحد؛ لقد وضعت قلبي أمامكم؛ هل أنتم مستعدون لاستقباله؟ المستقبل مشرق، مليء بالإمكانات والاحتمالات؛ في انتظار لمستكم الفريدة، دعونا نستمد معًا الإلهام من هذه المبادئ الجميلة، ونجد طرقًا للتواصل مع بعضنا البعض، متجاوزين حدود العالم الافتراضي، ولنحتضن هذه الرحلة لإعادة اكتشاف جمال الواقع وغنى تجربة الحياة البشرية التي هي دائمًا في انتظارنا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد