العقلية العربية هي ذاتها قبل أكثر من ستين عاماً. عقلية متحجرة متكلسة لا تفكر ولا يهمها المنطق السليم، عقلية تعتقد أن بإمكانها أن ترمي إسرائيل في البحر وتحرر فلسطين عن طريق عملية إرهابية بخطف طائرة في أفريقيا، أو تفجير ملهى في برلين، أو دهس المارة في شوارع أميركا، أو الدعاء في المساجد ضد أحفاد القردة والخنازير!
هي نفس عقلية الأمويين والعباسيين، القرامطة والحشاشين، مرشد الإخوان والمرشد الأعلى... هي عقلية متوارثة جيلاً بعد جيل. عقلية العنف والقتل والإرهاب من أجل الاستحواذ على السلطة تحت غطاء الدين.
عقلية قادة حزب الله الذين توهموا أن رفع سلاح المقاومة سيحمي لبنان من الغزو الإسرائيلي، في حين أن هذا السلاح أصبح اليوم يوجه ضد الجيش اللبناني! هي نفس عقلية قادة حماس الذين ظنوا أنه في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) سيحررون القدس ويرتلون في مسجدها صلوات الشكر لله على نصرهم في إعلاء صوت الإسلام في الحرم القدسي! هي نفس عقلية كتاب ومحللين سياسيين الذين يغزون القنوات الإعلامية ويتحدثون عن مؤامرة إقامة دولة (إسرائيل الكبرى) بعد القضاء على حماس وإنهاء حرب غزة! يتصور هؤلاء بعقولهم الصغيرة ومداركهم المحدودة أن أميركا وأوروبا والغرب عموماً يتحالفون مع إسرائيل لتحقيق حلمها التاريخي بإقامة دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل. بالرغم من أنَّ إسرائيل الحالية وبكل الدعم الأميركي والغربي والعالمي لا تستطيع التعايش وإدارة الأمور مع مليوني فلسطيني في قطاع غزة، فكيف ستستطيع التعايش وإدارة شؤون أراضٍ وبلاد تضم مئتي مليون عربي يعيشون على امتداد الحدود بين النيل والفرات؟!
توهم حزب الله اللبناني أنَّ سلاحه قادر على إزالة إسرائيل من الوجود، ولكنَّ الحصيلة كانت مقتل كامل أعضاء قياداتها بما فيهم أمين عام الحزب والمئات من عناصره في تفجير هواتفهم. وتوهمت حماس أنها بعملية خاطفة واحتجاز عدد من الرهائن ستمحي إسرائيل من الخارطة، والحصيلة كانت تدمير كامل لقطاع غزة ومقتل 150 ألفاً من مواطنيها وتجويع مليونين آخرين. ثم توهم الحوثيون أنَّ إغراق سفينة تحمل علم ليبيريا في البحر الأحمر سيكون كافياً لتجثو إسرائيل ومعها أميركا تحت أقدام عبدالملك الحوثي المختفي داخل كهوف جبال صنعاء وسيجعلونه المرجع الأعلى والخليفة المنتظر لآية الله العظمى في إيران. والحصيلة كانت تدميراً كاملاً للبنية التحتية لليمن! وأخيراً يتوهم الحشد الشعبي في العراق أنه هو من يحمي الدولة العراقية من الانهيار وأنَّ سلاح عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء هو الذي سيحفظ العراق من الضربات الأميركية والإسرائيلية وأن تجريده من السلاح يعني ضياع العراق كدولة ذات سيادة!
و"يا أمة ضحكت من جهلها الأمم".
منذ ثمانين سنة تحارب 22 دولة عربية إسرائيل دون أن تتمكن من زحزحتها من شبر من أراضي فلسطين. فهل يستطيع حزب الله والحوثي والحشد أن يزيلوا إسرائيل من الخارطة، أم هي مجرد تجارة أكل عليها الدهر وشرب منها حتى الثمالة؟
لا الإسرائيليون هم (الأفضل على العالمين) ولا العرب هم (خير أمة أخرجت للناس). فدعهم يتقاتلون ولله الأمر من قبل ومن بعد. هي مجرد تجارة بالسياسة والدين يمارسها الطرفان ولا يدفع ضريبتها سوى القتلى والجوعى الذين ينتظرون حفنة دقيق تلقيها عليهم الطائرات!
"وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها وتركوك قائماً قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين" (سورة الجمعة - آية 11).