: آخر تحديث

النظام الإيراني على فوهة بركان اجتماعي

2
2
2

في الوقت الذي يتبادل فيه قادة النظام الإيراني المأزوم الاتهامات بشأن التراجع الحاد في موقعه وفشله في تجاوز الأزمات الدولية والإقليمية، خرج الرئيس الإيراني مسعود پزشكيان بتصريحات تكشف عمق الأزمة الداخلية. ففي يوم الأحد 10 آب (أغسطس) 2025، قال پزشكيان: «لدينا مشكلة في المياه، مشكلة في الكهرباء، مشكلة في الغاز، مشكلة في المال، مشكلة في التضخم، وأين ليست لدينا مشكلة؟ كل ذلك لم يعد خيارًا بل أصبح إجبارًا، لا أستطيع أن أوقف قطع المياه... لم يعد لدينا أي خيار آخر».

هذه الكلمات لم تأتِ من معارض أو خبير اقتصادي مستقل، بل من رأس السلطة التنفيذية، وهي تعكس صورة مجتمع يغلي تحت ضغط أزمات متعددة، كل واحدة منها تحمل إمكانية الانفجار الاجتماعي في أي لحظة.

الصحف ووسائل الإعلام الحكومية نفسها باتت تدق ناقوس الخطر. فقد كتبت صحيفة "آرمان امروز" في عددها الصادر بتاريخ 7 تموز (يوليو) 2025 محذّرة: «المطالبة الاجتماعية لم تعد محصورة بالنخب، بل باتت تظهر في الحياة اليومية والعامة. وفي مثل هذا المجتمع لا يمكن التوقع بالحفاظ على الاستقرار أو الشرعية من خلال نماذج السياسات الخطية من الأعلى إلى الأسفل».

الغضب الشعبي ازداد اشتعالًا بسبب الانقطاعات الطويلة وغير المبرمجة للكهرباء وشحّ المياه. ففي تقرير لموقع "شهر بورس" الحكومي بتاريخ 23 تموز (يوليو) 2025، جاء: «انقطاع الكهرباء لفترات طويلة وبدون جدول زمني أفسد حياة المواطنين... وفي تبريز، وصلت الأمور إلى حدّ دفع الناس إلى حافة الانفجار». وفي اليوم نفسه، كتب موقع "شمس أذربيجان": «بينما يعاني المواطنون من انقطاع الكهرباء، تواصل الإدارات والبنوك والمؤسسات الحكومية استهلاك الطاقة بلا حدود. هذا التمييز الفاضح يضاعف من غضب الناس».

إلى جانب أزمة الطاقة، يواصل الاقتصاد الإيراني التدهور بلا توقف. فقد صرّح النائب في مجلس الشورى يُوسفي بخوف واضح من ردود فعل المجتمع قائلاً: «الارتفاع في الأسعار الذي يضرب معيشة الناس مباشرة لا يمكن تبريره» (23 تموز (يوليو) 2025). وفي السياق نفسه، كتب موقع "پنجره": «موجة غلاء جديدة قادمة؛ الخبز، الأرز، والزيت على أعتاب صدمة تضخمية جديدة» (23 تموز (يوليو) 2025).

أزمة السكن والإيجارات تحوّلت إلى كابوس دائم للعائلات. فقد ذكرت "تجارت نيوز" بتاريخ 21 تموز (يوليو) 2025: «المستأجرون يهربون من أسعار الإيجارات الفلكية إلى ضواحي المدن أو المدن الصغيرة المجاورة، لكن ارتفاع الإيجارات حتى في هذه المناطق سلب منهم الراحة». وفي اليوم التالي، نشرت "فرارو": «تضخم الإيجارات في طهران ارتفع بنسبة بين 30 و35 بالمئة، وهي نسبة لا تتناسب على الإطلاق مع دخل معظم الأسر» (22 تموز (يوليو) 2025).

وفي تحليل نفسي-اجتماعي للوضع، كتب موقع "إكو إيران" في 23 تموز (يوليو) 2025، مسمّيًا حالة الاحتقان بـ"الغضب الانفجاري": «تأثير الأزمات الاقتصادية على مجتمع متوتر جعل كثيرين يفقدون أعصابهم بسرعة، بحيث يتحول أي احتكاك بسيط إلى حالة غضب فوري».

هذه المشاهد لا تعبّر فقط عن سلسلة من الأزمات المتفرقة، بل ترسم لوحة كاملة لانفجار قادم. فالنظام الإيراني لا يغرق فقط في مستنقع الأزمات الدولية والانقسامات الداخلية، بل يجلس على فوهة بركان اجتماعي يتصدع تحت قدميه يومًا بعد يوم. والأسوأ من ذلك أنّ أياً من هذه الأزمات لا يملك النظام الإرادة أو القدرة على حلّها.

ومع كل يوم يمر، تتعمّق هذه الأزمات أكثر: المياه الشحيحة، الكهرباء المقطوعة، الأسعار التي ترتفع بلا سقف، الإيجارات الخانقة، وانعدام الأمل في التغيير من داخل النظام. وفي الشوارع، تتصاعد أصوات الاحتجاج التي لم تعد تكتفي بالمطالب المعيشية، بل صارت شعاراتها تستهدف رأس السلطة مباشرة، مثل شعار «الموت للدكتاتور» الذي يدوّي من أسطح المنازل، ومن محطات المترو، ومن الشوارع المكتظة.

إنها حالة احتقان شاملة: غضب اجتماعي يلتقي مع أزمة اقتصادية خانقة، وانعدام الثقة في السلطة، وتآكل الشرعية السياسية. في مثل هذا المشهد، تصبح أي شرارة صغيرة كفيلة بإشعال احتجاجات واسعة قد تخرج عن سيطرة أجهزة القمع. وفي ظل هذا التراكم للأزمات، يجد النظام نفسه أمام معادلة خطيرة: أي محاولة لتخفيف أحد الضغوط قد تؤدي إلى انفجار آخر في جبهة مختلفة، وأي تجاهل للوضع سيعجّل من لحظة الانفجار الشامل.

واللافت أنَّ ردود الفعل الهستيرية للنظام تجاه معارضيه تكشف الكثير عن هواجسه الحقيقية. فمن المحاكمات الشكلية التي تُستخدم للتشهير وتشويه السمعة، إلى الإعدامات المتسارعة، والاتهامات الكاذبة، والاعتقالات الواسعة، وصولًا إلى الغضب المفرط إزاء أنشطة المعارضة في الخارج — كل هذه الممارسات تشير بوضوح إلى أن القلق الأكبر لدى النظام ليس من أزمات خارجية أو ضغوط دولية، بل من احتمال اندلاع انتفاضة منظّمة داخل البلاد، وهي الفرضية التي تؤرقه أكثر من أي شيء آخر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.