إيلاف من لندن: في إسطنبول، لم يكن عبدالله صالح كامل يشارك في قمة الاقتصاد الإسلامي، بل كان يعيد تفعيل لحظة الانطلاق الأولى من المدينة المنورة، رابطًا الماضي بالممكن، واليقين بالأداء. فقد أكّد رئيس مجلس أمناء منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، خلال الجلسة الافتتاحية للقمة العالمية الثانية للاقتصاد الإسلامي، أن انطلاقة الاقتصاد الإسلامي بصيغته المعاصرة تعود إلى المدينة المنورة، مشيرًا إلى أن المملكة العربية السعودية كان لها دور أساسي ومبكر في ترسيخ هذا النموذج القائم على القيم الإسلامية والعدالة الاجتماعية، وصولاً إلى تحوله إلى مسار عالمي معترف به في مواجهة التحديات المالية والتنموية الحديثة.
وسلّط عبدالله صالح كامل الضوء على الإرث المؤسسي والريادي لوالده الراحل الشيخ صالح كامل في تأسيس المصرفية الإسلامية في تركيا، مؤكدًا أن انطلاق "قطار المصرفية التشاركية" قبل أربعين عامًا كان لحظة مفصلية ساهمت في تحويل تركيا إلى مركز محوري في عالم الاقتصاد الإسلامي.
جاء ذلك خلال كلمته في حفل افتتاح قمة البركة الأولى، التي انعقدت يومي 24 و25 أيار (مايو) 2024 في مركز لطفي قيردار الدولي للمؤتمرات والمعارض في إسطنبول، تحت عنوان "الآفاق العالمية للاقتصاد الإسلامي: المقومات والاحتياجات"، بحضور رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان.
#فيديو | عبدالله صالح كامل: انطلاقة الاقتصاد الإسلامي بدأت من المدينة المنورة.. والمملكة رسّخت مبادئه
— عكاظ (@OKAZ_online) May 31, 2025
• من القمة العالمية للاقتصاد الإسلامي بحضور الرئيس التركي#عكاظ #السعودية
للاطلاع على التفاصيل: https://t.co/k261DMTqdQ pic.twitter.com/iUPWcgAf89
وفي مستهل كلمته، رحّب عبدالله صالح كامل بالرئيس التركي، مؤكدًا أن هذا اللقاء يمثل امتدادًا لمسار انطلق منذ عام 1981 من المدينة المنورة، حين أقيمت أولى ندوات البركة، وصولًا إلى تحويلها إلى مؤسسة فكرية عالمية بقرار الشيخ صالح كامل في عام 2020.
وقال كامل إن اختيار تركيا لاحتضان هذه القمة لم يكن عشوائيًا، بل جاء نتيجة دراسة واعدة لأسواق العالم المختلفة بعد خبرة أربعة عقود في الاقتصاد الإسلامي، مؤكّدًا أن هذه القمة السنوية ستسهم في تعزيز مكانة تركيا كرائدة من أهم رواد صناعة الاقتصاد الإسلامي. كما أعرب عن تقديره للشركاء الاستراتيجيين للقمة، وفي مقدمتهم مكتب الاستثمار التابع لرئاسة الجمهورية التركية، وصندوق الثروة التركي، ومركز إسطنبول المالي، وجامعة ابن خلدون، ومنتدى التعاون الإسلامي للشباب، وبنك البركة التركي.
وأشار إلى أن تأسيس بنك البركة في تركيا كان نتيجة رؤية استراتيجية هدفت إلى بناء نموذج مصرفي أخلاقي ملتزم، لا يعتمد فقط على الفائدة، بل يُعزز من أدوات التكافل المالي ويستجيب للبعد القيمي في العمل المصرفي، مشيرًا إلى أن التمويل الإسلامي يقدّم حلولًا واقعية لمواجهة التحديات المالية والاقتصادية في العالم الإسلامي وخارجه.
وشهد الحفل عرض فيلم وثائقي من إنتاج إدارة الإعلام والاتصال في منتدى البركة، استعرض مسيرة المنتدى وتطوره كمؤسسة فكرية غير ربحية، ودوره في دعم الصيرفة الإسلامية عالميًا، واستكشاف أصول التمويل التشاركي في تركيا وتأثيره في النظام المالي الدولي.
وفي ختام كلمته، قدّم عبدالله صالح كامل نسخة رمزية من باب الكعبة إلى أردوغان، تقديرًا للرعاية الرسمية والدعم الرئاسي، كما شارك في توقيع مذكرات تفاهم بين منتدى البركة ومجموعة من الشركاء، بحضور شخصيات رسمية من الحكومة التركية والمؤسسات المالية والأكاديمية.
«إذا لم تُضف على الدنيا شيئاً فأنت فيها زائل»
الشيخ صالح عبد الله كامل – مؤسس منتدى البركة للاقتصاد الإسلامي، رائد الصيرفة الإسلامية عربياً ودولياً.
وتضمن اليوم الأول للقمة جلسة نقاشية تحت عنوان “الاقتصاد الإسلامي عبر الزمن: التطورات التاريخية والواقع المعاصر للاقتصاد الإسلامي”، أدارتها د. حاتم الطاهر من مؤسسة ديلويت، بمشاركة خبراء من جامعات حمد بن خليفة، وأنقرة، وصباح الدين زعيم، وINCEIF الماليزية، حيث جرى تسليط الضوء على البعد التاريخي والتحولي للمصرفية الإسلامية، وآفاق دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة من خلال أدوات تمويل إسلامية.
تمكين المجتمعات
كما خُصصت جلسة لموضوع "تمكين المجتمعات" من خلال الوقف والزكاة، أدارها أ.د. محمد بولوت، فيما استعرض د. محمد كبير حسن من جامعة نيو أورليانز، إمكانات التمويل الأخلاقي للشركات الناشئة والصغيرة.
في اليوم الثاني، عُقدت جلسات بعنوان “الاقتصاد الإسلامي كاقتصاد أخلاقي”، و"أوجه التكامل والاستدامة"، بمشاركة باحثين من جامعات إسطنبول، والجامعة الأميركية بالقاهرة، وهيئة أيوفي، ومركز التحكيم الدولي بمنظمة التعاون الإسلامي، إلى جانب عروض من صندوق الثروة التركي، والبنك المركزي الإندونيسي، ومعهد المواصفات للدول الإسلامية.
ناقشت الجلسات قضايا تتصل بمقاصد الشريعة، العدالة في التشريع الاقتصادي، الصناعة الحلال، تحولات الزكاة إلى صناديق، وبناء منظومات تشريعية واقعية للاقتصاد الإسلامي، مع التركيز على الدور التنظيمي والتشريعي التركي.
كما شارك كامل في حلقات جانبية أبرز فيها التزام منتدى البركة بتعزيز الشراكات الدولية، ودعم تمكين الشباب في مسارات الاقتصاد الرقمي الإسلامي، وتوسيع مجالات البحث والتشبيك المؤسسي.
واختتمت القمة بكلمة للأمين العام لمنتدى البركة للاقتصاد الإسلامي يوسف حسن خلاوي أشار فيها إلى أن أخطر ما يواجه الاقتصاد الإسلامي اليوم في عالمنا المعاصر هو السطحية والفردية في التعامل معه، معلناً انعقاد النسخة الثانية في إسطنبول تحت عنوان "استراتيجيات الاقتصاد الإسلامي: الطريق نحو اقتصادًا عالميًا مؤثر"، والتي تنعقد العام القادم، موضحًا أن هذا العنوان يعد مكملًا لما تم بدأه في قمة هذا العام.