: آخر تحديث

نحو إعادة النظر في النحو

4
4
4

هل تخيّلتَ ما الذي يحدث لو أن أحداً تجرّأ على النطق بهذا العنوان في جمع من النحاة واللغويين؟ يقيناً، كانوا أبلسوه، ورموه برجوم الشياطين. ما الذي جعل القدم تزّل إلى قرار سحيق؟ ما خفي أعظم، فما يبطنه العنوان أشدّ حراجةً. كان القلم من قبل قد أشار إلى الموضوع ولم يصرّح. لكن الأسباب موضوعية: وصول قضية تبسيط قواعد اللغة العربية، إلى طريق مسدود. انعدام الجسور في العالم العربي، بين مجامع اللغة وأنظمة التعليم، مع أن المجامع هي السلطة التشريعية اللغوية، الوحيدة القادرة على العقد والحل في شؤون اللسان، فلا يجوز للمناهج تغيير مثقال ذرّة من دون الرجوع إلى المرجعية العليا.أصل المعضلة يعود إلى الحقبة الأولى التي ظهر فيها أفراد عملوا على وضع قواعد اللسان العربي، عُرفوا في ما بعد بالنحاة. في زمن سيبويه مثلاً، لم يكن الصرف منفصلاً عن النحو. منذ اللبنات الأولى في صرح العلوم اللغوية، وقع النحاة في مطب كبير، من الصعب اليوم على علماء اللغة تغيير انعكاساته على تاريخ القواعد، وآثاره في تعقيد تعلّم العربية من دون صداع ودُوار. الدليل أن نسبةً ضئيلةً من أبناء العرب، تمتلك مقاليد اللغة كتابةً وتكلّماً، فضلاً عن أن النحويين القدامى يقولون: «النحو صنعتنا، واللحن عادتنا».لا علم لنا بالخلفيات الفكرية والنفسية والمنهجيّة، التي دفعت النحاة الأوائل إلى استمداد قواعد العربية من الشعر الجاهلي. ما الذي دار في أذهانهم، حتى بنوا القواعد على شواهد الشعر؟ الشعر فن تعبيري بالكلمات. الفن فيه ألعاب وفانتازيا وقفزات تقديم وتأخير وحذف وإضمار وتقدير واستتار. ألم يقل أحدهم لأبي تمام: «ما لك تقول ما لا يُفهم؟ قال: وما لك لا تفهم ما يقال؟». كيف لم يخطر ببال النحاة الأوائل أن أساليب الشعر الجاهلي وتراكيبه، ولهجات الجاهلية ذاتها، ستتغيّر عبر العصور؟ مَن مِن العرب اليوم، من علماء العربية، إلى لغة الإعلام، إلى إنشاء المدارس، يستخدم «لو» بأربعة عشر استعمالاً مختلفاً؟ عربيتنا اليوم غير عربية الجاهلية، والقرون الأربعة الأولى الهجرية. بالمناسبة: ظل النحاة يرفضون الاستشهاد بشعر أكبر شعراء العصور الإسلامية، بدعوى أنها مولّدة، محدثة، أي «فالصو». يا سادة، هؤلاء منهم بشار، الأخطل، ابن الرومي.. كلا، ممنوعون، حتى لو أخرجوا شعرهم أبيض من غير سوء، حتى لو قدّموا شهادات موقّعةً من قبل شعراء المعلقات.لزوم ما يلزم: النتيجة القياسية: بقيت الحجج والبيّنات الاستدلالية، وهي زبدة القضية. الغد لناظره قريب، إن شاء الله.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد