: آخر تحديث

الضَّمُ... مناورةٌ للابتزاز أم مشروعٌ للتنفيذ؟

3
2
3

منذ احتلال عام 1967 وموضوع الضم بندٌ دائمٌ في أجندات قوىً إسرائيليةٍ كثيرة، غير أن الضم الرسمي تم في حالتين: القدس والجولان.

كانت القدسُ موضوعاً مطروحاً دائماً للتفاوض، وكانت بنداً من بنود الحل الدائم، وطُرحت بشأنها مقترحاتُ حلٍ من قبل جهاتٍ عدة، ولكنها، كغيرها من القضايا، لم تصل إلى نتيجة.

وكذلك الأمر فيما يتَّصل بالجولان، حيث لم تعدّ إسرائيلُ ضمَّها حقيقةً نهائيةً لا رجعة عنها، بل بلغ الاستعداد للتراجع عن ضمّها حدَّ تسليمها بالكامل إلى سوريا، وذلك في وثيقةٍ رفضها الأسد سُمّيت «وديعة رابين».

بالنسبة إلى القدس، وخلال مفاوضات «كامب ديفيد» التي قادها الرئيس الأميركي بيل كلينتون بين الرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء إيهود باراك، فقد طُرحت مقترحاتٌ بشأنها ونوقشت مع الجانب الإسرائيلي، وقد انهارت المحادثات آنذاك، وكانت «القدسُ الشرقية والتمسكُ الفلسطيني بكل جزءٍ منها» سبباً في الانهيار؛ مما أثبت أن المدينة كانت مطروحةً على طاولة التفاوض، أي إن ضمَّها الرسمي وكلَّ ما اتُّخذ من إجراءات إسرائيلية بشأنها كان قابلاً للتراجع؛ مما يؤكد أن القدس الشرقية في واقعها وفي المساومات السياسية بشأنها، ومن منظور العالم، هي للفلسطينيين، وأن ضمها الرسمي أمرٌ يمكن التراجع عنه.

منذ احتُلت الضفة في يونيو (حزيران) 1967، ومنها القدس الشرقية، التي تحتوي أهم المقدسات الإسلامية والمسيحية الواقعة ضمن «مربع الكيلومتر الواحد» داخل الأسوار التاريخية، لم تألُ حكومات إسرائيل المتعاقبة، سواءٌ أكانت ذات طابعٍ يميني أم يساري، جهداً لأَسْرَلَتِهَا، وجعلها عاصمةً خالصةً لإسرائيل، بما في ذلك التضييق على مواطنيها الفلسطينيين؛ لحملهم على الهجرة منها بُغيةَ تفريغها، وقد أنفقت في هذا السياق مليارات الدولارات، ونفّذت مشروعات بنيةٍ تحتيةٍ ضخمة، وحاصرت سكانها الفلسطينيين بإجراءاتٍ شديدة القسوة؛ لحملهم على الهجرة إلى باقي مناطق الضفة. إلا إن كل ما فعلته، ورغم أذاه الفادح الذي وقع على أهل القدس، لم يفلح في إنهاء الوجود الفلسطيني الشعبي وحتى المؤسساتي فيها؛ مما جعل من المدينة، التي مرّ على احتلالها ومحاولات أَسْرَلَتِهَا ما يربو على نصف قرن، قضيةً مستعصيةً على إسرائيل أولاً، ومستعصيةً كذلك على المحاولات الدولية لحل المعضلة الفلسطينية - الإسرائيلية... فالقدس؛ كانت، ولا تزال، وستبقى، عقدةَ العقد، وبوابةَ استمرارِ الصراع أو إنهائه.

تطرح الحكومة الإسرائيلية الحالية ضمَّاً أكبر اتساعاً وأشد تعقيداً من ضم القدس، وهو ضم الضفة. وفي هذا الشأن ظهر من داخل المؤسسة الإسرائيلية من يفضل التدرج في الضم، كالبدء بالمنطقة «سي (C)»، التي تزيد مساحتها على نصف الضفة، أو منطقة الأغوار، أو مناطق المستوطنات، أو ضمّها كلها، بما في ذلك التجمعات الفلسطينية الضخمة في المدن والقرى. وهنالك في إسرائيل من يزيد على ذلك بضمّ غزة، وإعادة استيطانها، لتصبح «فلسطين من البحر إلى النهر» جزءاً من دولة إسرائيل.

وفي هذا السياق، أُعلن أن اجتماع «الكابينت» المقبل سيبحث أمر الضم الجزئي أو الكلي. والذي يشجع على طرح القضية مجدداً هو «حربُ غزة» وتعثرُ حسمها عسكرياً أو تفاوضياً وفق أهداف نتنياهو الخمسة، وكذلك الردُّ على تسونامي الاعترافات المتنامية بالدولة الفلسطينية التي ستتبلور بوضوحٍ أشد في سبتمبر (أيلول) المقبل خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.

مسألة الضم من جانب الحكومة الإسرائيلية تصلح للضغط لتحقيق الأجندات الراهنة والمستقبلية في غزة والضفة، ولكنها لن تكون قراراً سهلاً بسهولة التصويت عليه في الحكومة أو الكنيست، بل يحمل هذا القرار مضاعفاتٍ داخليةً حيث لا إجماع عليه، وإقليميةً ودوليةً حيث الرفض الشامل له، دون استبعاد إجراءاتٍ عقابية يمكن أن تُتخذ للرد عليه... ثم، وهذا هو الأهم في الأمر كله، إن الضم الشامل أو حتى الجزئي المتدرج أمرٌ يرفضه الفلسطينيون، الذين سيصل عددهم داخل الدولة العبرية وما سيُضم إليها إلى ما يربو على 8 ملايين نسمة، كلهم يرفضون الضم، ولن يعدموا الوسائل الفعالة لمقاومته.

فزّاعة الضم تسمم المناخ، وتبعد فكرة التسوية، وتعقّد أمورها كثيراً. وبالمقابل، فإن المردود الفعلي حال اتخذت إسرائيل قراراً سياسياً بشأن الضم سيكون مجردَ إضافةٍ جديدةٍ لاحتلالٍ قديم، وسوف يُتعب الفلسطينيين، ولكنه يتعب الإسرائيليين كذلك، فالفلسطينيون متّحدون على رفضه، والعالم العربي كذلك... وهنا بدل الخروج من معضلة، فسيدخل الجميع في معضلةٍ أشد تعقيداً؛ بما في ذلك إسرائيل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد