عبدالرحمن الحبيب
بعد لقاء قادة العالم يومي 6 و7 نوفمبر، يُعقد اليوم 10 نوفمبر مؤتمر الأمم المتحدة لتغيّر المناخ في أطراف غابة الأمازون في بيليم بوابة نهر الأمازون بالبرازيل لحضور اجتماعهم السنوي الثلاثين، وقد تسبب اختيار بيليم بتحديات جمة، منها الرمزي ومنها الفعلي. فمن الناحية الرمزية ينظر للأمازون كرئة العالم وإزالة جزء من غاباتها لبناء طريق للوصول إلى بيليم أثار جدلاً واسعاً لهذه المفارقة؛ فضلاً عما يثيره مواصلة البرازيل من منح تراخيص جديدة للنفط والغاز في الأمازون.
كما أن المؤتمر يتميز بكثرة الحضور، فإضافة للسياسيين مما يقرب من 200 دولة بحوالي 3000 مشارك على أقل تقدير، مع أكبر مشاركة للسكان الأصليين في تاريخه، هناك دبلوماسيون وصحفيون وناشطو البيئة وآخرون، إذ واجهت بعض الوفود صعوبة في حجز أماكن إقامة بأسعار معقولة، مما أثار مخاوف من أن الدول الفقيرة قد تُحرم من الإقامة بتلك الأسعار المرتفعة.
أما المؤتمر نفسه فيُعتبر لحظة مناخية حاسمة لاختبار اتفاقية باريس وحل أزمة الاحترار العالمي بعد عشر سنوات من تلك الاتفاقية التي تعهدت فيها الدول بمحاولة الحد من ارتفاع درجات الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية؛ حيث التحدي الأكبر لمستقبل اتفاقية باريس يعتمد على الموازنة بين أهداف المناخ العالمية والمصالح الوطنية، إضافة إلى المسؤولية المالية والرقابة والشفافية وفعالية التنفيذ في تحقيق نتائج مناخية ملموسة.
هذا التحدي يكمن في أن الدول النامية وبعض الدول الأخرى تضغط من أجل التزامات مالية أكبر من الدول الغنية لتمويل جهود مواجهة تغير المناخ وخفض أكثر صرامة للانبعاثات، بينما تحذّر أصواتٌ محافظة من المبالغة في خطورة الأزمة بإعطاء الأولوية لأهداف المناخ العالمية على حساب المصالح الوطنية والاستقرار الاقتصادي، لا سيما بعد أن قامت بعض الدول منخفضة الدخل مثل زمبابوي مندفعة وراء موجة خفض الانبعاثات التي تقودها الدول المتقدمة، بحظر الأسمدة الصناعية واستبدالها بالأسمدة الطبيعية، مما أدى إلى انخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية بشكل كبير، وتراجع توافر الغذاء، وارتفاع حاد للأسعار.
فما هو المنتظر من هذا المؤتمر؟ المأمول بأن يُسفر عن قرارات مُلزمة وليس مجرد إعادة تأكيد للأهداف القائمة، وربما يُعيد تعريف أجندة المناخ العالمية من خلال أخذ الاعتبار للمصالح الوطنية وواقعها الاقتصادي بدلًا من التكليفات المثالية غير العملية أو خيالية مثل «صافي صفر» انبعاثات غازية كما كتب البروفيسور الأمريكي نايجل بورفيس (كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية) والرئيس التنفيذي لشركة «مستشارو المناخ» (مجلة فورين بولسي).
«يُمثّل مؤتمر الأطراف الثلاثين في بيليم اختبارًا لمدى قدرة طموحات المناخ العالمية على احترام السيادة الوطنية والواقع الاقتصادي» حسب بورفيس موضحاً أن المؤتمر هو أول قمة عالمية للمناخ منذ عودة الرئيس الأمريكي ترامب إلى البيت الأبيض، حيث يواجه العالم أعمق أزمة في سياسات المناخ منذ انهيار بروتوكول كيوتو الذي سبق اتفاقية باريس، لكن بينما ساهم ترامب بشكل كبير في تسريع الأزمة وتفاقمها، فإن جذورها تكمن أعمق من ذلك منذ اتفاقية باريس لعام 2015.
كما يوضح بورفيس أنه بعد عشر سنوات من اتفاقية باريس التي تعد أنجح اتفاقية مناخية، حين كان العالم قبلها يهرول على ارتفاع الاحترار صوب 6 درجات مئوية، أما اليوم وبفضل الاتفاقية ذاتها فإن درجة الاحترار العالمي المتوقّعة انخفضت إلى نحو نصف هذه الدرجة؛ إلا أنها حتى الآن غير قادرة بمفردها على دفع إجراءات كافية لتجنب الكارثة؛ ويصفها بأنها اتفاقية حية لكن مُعرّضة لخطر اعتبارها ميتة من قِبل جيل جديد من نشطاء المناخ، فمصيرها غير مؤكد حتى تظهر النتائج، وسيمنح المؤتمر العالم فرصة لهذا القياس.
يؤكد بورفيس بأن القمة لن تسفر عن معاهدة جديدة، لكن نتائجها السياسية يجب أن تُظهر ما إذا كانت اتفاقية باريس قادرة على الارتقاء لمواكبة اللحظة السياسية الحالية، أو على أقل تقدير قد تُساعد الالتزامات السياسية في بيليم في جعل الأمازون نموذجًا عالميًا للزراعة المستدامة والحفاظ على الغابات، لكن هذه الالتزامات أو غيابها سيكشف أيضًا ما إذا كانت اتفاقية باريس قادرة على الاستمرار في تعزيز العمل المناخي العالمي.
ونوَّه بورفيس إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة الوحيدة التي انسحبت من اتفاقية باريس للمناخ، وقد فعلت ذلك مرّتين، كلتاهما في ظل ترامب الذي تكمن سياسته الخارجية بأن الهيمنة الأمريكية عالمياً تعتمد على الهيمنة على الطاقة، وللحفاظ على هذه الهيمنة يتطلب التوقف عن التحوّل إلى الطاقة النظيفة، على حدّ تعبير بورفيس مؤكداً أن المجتمع الدولي يؤمن بأن ثورة التحوّل إلى الطاقة النظيفة لا يمكن إيقافها، وبأن ثَمن مقاومة هذه الثورة هو ثمن باهظ للغاية، وذلك هو سبب فشلَ فريق ترامب على مدار سنوات في تحويل المجتمع الدولي عن دعم اتفاقية باريس للمناخ التي «ظلتْ مرآة للتعاون الدولي حتى في وجه الاختلافات السياسية».
المحصلة أن المؤتمر الحالي مهمته الأساسية هي الخروج بتبني منهجية أكثر عملية لحل معضلة ما تواجهه اتفاقية باريس من تحديات سواء من عدم قدرة أو عدم رغبة بعض الدول بالالتزام بقرارات الاتفاقية، أو من إمكانية بلوغ بعض أهدافها الصعبة التحقق..

