عودتي إلى المملكة العربية السعودية لحضور "منتدى النساء المبدعات" كانت مختلفة هذه المرة. كشخص يحمل دماً سعودياً في عروقه، ووالده خدم كمستشار عام للسفارة العراقية في جدة، تحمل هذه البلاد معنى عميقاً بالنسبة لي، على المستويين الشخصي والمهني. لكنني لم أكن هنا هذه المرة كـ"ابنة" تستعيد الذكريات، بل كمتحدثة ومديرة حوار، وكحلقة وصل تجسر الممر الحيوي بين المملكة المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي.
المنتدى، الذي أسسته أولغا بالاكليتس وتقوده ريبيكا ريوفريو، جمع نخبة من أكثر النساء تأثيراً في العالم. وكان لي الشرف أن أدير حلقة نقاش محورية حول "المرأة والمال: الاستثمار، القوة والازدهار"، ضمت قائدات استثنائيات من الخليج وبريطانيا وأوروبا.
ما اكتشفته أن النقاش لم يكن يدور حول التمويل، بل حول "النية".
لقد استكشفنا كيف تفكر النساء اليوم بشكل مختلف تماماً حول مفاهيم الثروة، والإرث، والقيادة. ما وحّد المشاركات على الطاولة لم يكن قطاعهن أو جنسيتهن، بل "وضوح الهدف". هؤلاء نساء يستثمرن بنية واعية - في الأفكار، في الناس، وفي أنفسهن.
صفقات حقيقية
خلف الكواليس، تكشفت ديناميكية مذهلة. في ردهات الفنادق وبين الجلسات، لم نكن نتبادل بطاقات العمل كإجراء بروتوكولي، بل كنا نعقد صفقات حقيقية، هناك وفي الحال. دعتني إحدى الحاضرات لإدارة حدثها المقبل في لندن، وناقشت أخرى معي تفاصيل شراكة عابرة للحدود. كانت المحادثات مباشرة، سخية، وترتكز على الاحترام المتبادل وثقة لا تحتاج إلى مقدمات.
هذا التحول ليس مجرد انطباعات، بل هو النتيجة الملموسة لرؤية 2030. قيل الكثير عن أجندة الإصلاح الجريئة، لكن النتائج الآن مرئية وقابلة للقياس: فوفقاً لوزارة الاستثمار السعودية، تضاعف الاستثمار الأجنبي المباشر أربع مرات خلال خمس سنوات، والأهم، أن مشاركة المرأة الاقتصادية قفزت بشكل دراماتيكي من 17% في 2016 إلى أكثر من 37% في 2023.
الرد على المشككين
رغم هذه الأرقام، ما زلت أواجه في لندن أسئلة نمطية: "هل يمكن للنساء حقاً إغلاق صفقات في السعودية؟". أبتسم كلما سمعتها، وتمنيت لو كان بإمكان هؤلاء المشككين رؤية ما شهدته في الرياض.
الإجابة واضحة: النساء في السعودية لا يغلقن الصفقات فحسب، بل أصبحن "يصممن تدفق الصفقات" بأنفسهن.
هذا فصل جديد، لا تكتفي فيه النساء في الخليج بالمشاركة، بل أصبحن يقُدن الريادة. من مؤسِسات التكنولوجيا المالية إلى رئيسات أقسام الاستثمار، ومن المستشارات في المناصب العليا إلى مدربات الشركات الناشئة، إنهن يعيدن كتابة سردية القوة والازدهار والشراكة.
أغادر الرياض بإلهام عميق، ليس فقط بما رأيته من إنجازات، ولكن بما شعرت به: ثقة، أصالة، وصعود لا يمكن إيقافه للقيادة التي تقودها النساء.
إلى أولئك الذين ما زالوا يراقبون من بعيد، أقول هذا: المستقبل يتكشف بالفعل. إنه مؤنث. إنه لا يعرف الخوف. وهو يحدث الآن، في قلب المملكة العربية السعودية.

