: آخر تحديث

الأمم المتحدة وخطر الحرب الكونية

0
0
1

هل ما زالت ديباجة ميثاق الأمم المتحدة قائمة وتلتزم بها الدول الأعضاء، ولا سيما الدول المؤسِّسة، والتي تنص على: "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانًا يعجز عنها الوصف.. أن نأخذ أنفسنا بالتسامح وأن نعيش معًا في سلام وحسن جوار، وأن نضم قوانا كي نحتفظ بالسلم والأمن الدولي.. قد ارتضت ميثاق الأمم المتحدة هذا وأنشأت بمقتضاه هيئة دولية تسمى الأمم المتحدة"؟.

لقد جاء قيام الأمم المتحدة عقب حربين كونيتين حصدتا أرواح ملايين البشر. فمنظمة عصبة الأمم، التي انبثقت بعد الحرب العالمية الأولى، قد انهارت باندلاع الحرب العالمية الثانية. وجاءت الأمم المتحدة وميثاقها المشار إليه، لتقف حائلًا دون نشوب حرب كونية ثالثة، والتي ستكون أشد دمارًا وفناءً من سابقتيها، نظرًا للعدد الهائل من الرؤوس النووية التي تمتلكها الدولتان النوويتان الأكبر، أميركا وروسيا، واللتان تحتزان معًا ما يزيد عن 12 ألف رأس نووي كافية لإفناء الكون بأسره.

إن مناسبة هذا الطرح هي الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، وما صاحبها من تلويح، ولأول مرة، باستخدام السلاح النووي. وتكمن خطورة هذه الحرب، التي تقترب من أن تكون كونية في تداعياتها، في التقائها مع الحربين السابقتين في أن مسرحها هو القارة الأوروبية. وهذا ما يبعث على القلق الشديد، وعليه، فإن أي مشاركة مباشرة من حلف الناتو وأميركا قد تشكل إشارة البدء بالحرب الكونية الثالثة، والتي في أسوأ تقديراتها، ستعني اضمحلال الأمم المتحدة، وعدم التزام الدول المؤسسة والأعضاء بديباجة الميثاق التي تعهدت فيها بنأْي الأجيال القادمة عن ويلات الحرب. وبالرغم من ذلك، فقد شهد العالم منذ تأسيس الأمم المتحدة حروبًا عديدة، كان أشدها تهديدًا أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962 التي بلغت فيها العلاقات الأميركية-السوفيتية حافة الهاوية، لكنهما نجحتا في تفادي مواجهة نووية.

إن الحرب الحالية، والتي نجم عنها حتى الآن هجرة أكثر من مليونين ونصف مليون أوكراني، وفرضت عقوبات على الاقتصاد الروسي طالت تداعياتها كافة اقتصاديات العالم، تُعيد طرح التساؤل من جديد: وهل نحن على أعتاب حرب ثالثة؟ وما مصير الأمم المتحدة؟ وهل المنظمة الدولية قادرة على تلافي هذا الخطر وفرض ميثاقها؟

وقبل الشروع في الإجابة على هذه التساؤلات، لا بدَّ من الإشارة إلى بعض الملاحظات السريعة، وأولها أن الأمم المتحدة ليست حكومة عالمية تعلو على حكومات الدول الأعضاء. وثانيًا أن مهمة حفظ السلام والأمن الدوليين تندرج ضمن صلاحيات مجلس الأمن، الذي يتألف من خمسة عشر عضوًا، منهم خمسة دائمون يتمتعون بحق النقض (الفيتو). وهذه الدول الدائمة أو "الدول الكبرى" وهي أميركا وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا، يمكن لأي منها أن يحول دون تمرير أي مشروع قرار باستخدام الفيتو. فكيف بنا وإحدى هذه الدول، وهي روسيا، هي من شنت الحرب على أوكرانيا، فكان من الطبيعي أن تستخدم حق الفيتو في مواجهة المشروع الأميركي الذي قُدم ويدين الحرب ويطالب بوقفها؟ هذا ما استدعى تفعيل دور الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهذه هي الملاحظة الثالثة، والتي تتعلق بدعوة الجمعية العامة، وفقًا لقانون "الاتحاد من أجل السلام"، إلى جلسة طارئة واستثنائية، وهو ما حدث بالفعل وتم إقرار مشروع قرار بـ 141 صوتًا وامتناع 35 دولة عن التصويت ومعارضة خمس دول. واللافت للنظر أن هذا القرار وبالرغم من صدوره، ويُعتبر ملزمًا لمجلس الأمن ويقفز على حق الفيتو الروسي، لم يوقف الحرب، واستمرت روسيا في عملياتها العسكرية والتهديد بالسلاح النووي، وهو ما يعني فشل الأمم المتحدة في وقف هذه الحرب وهذا الخطر الذي أفقد المنظمة مصداقيتها وثقة شعوب العالم بها.

والملاحظة الأخرى التي تلقي الضوء على مستقبل الأمم المتحدة هي أن الأمم المتحدة تمثل البنيان المؤسسي للنظام الدولي، والذي من خلاله يتم تفعيل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية الدولية. أما النظام الدولي فتحكمه بنية القوة وهل هي أحادية أو ثنائية أو تعددية، وأن الانتقال من حالة إلى أخرى قد يقف وراءه حرب كونية، وهذا قد يكون أحد الأهداف الرئيسة لروسيا، وبدعم صيني، لكسر احتكار أميركا لسيطرتها وهيمنتها على قمة النظام الدولي والرغبة في إعادة بناء النظام الدولي على أساس التعددية. والملاحظة الأخيرة هي أن ميزانية الأمم المتحدة، والتي تعتمد عليها في تنفيذ أنشطتها، تستند إلى مساهمات الدول الأعضاء وخصوصًا مساهمة أميركا التي تفوق مساهمة مئة دولة. ويبقى أن دور الأمم المتحدة في حفظ السلام والأمن الدوليين يعتمد على مساهمات الدول في قوات حفظ السلام وتمويلها فليس للأمم المتحدة قوة خاصة بها.

وحسب استطلاع للرأي حول دور الأمم المتحدة أُجري عام 2020، ففي سؤال موجه للشباب أجاب أكثر من النصف أن الأمم المتحدة بعيدة عن حياتهم وأنهم لا يعرفون الكثير عنها. ليس معنى هذا أن الأمم المتحدة لم تحقق الكثير من الإنجازات وتوفر أطرًا من الشرعية الدولية لأي تحالف دولي لوقف حرب أخرى، لكنها في نموذج كالحرب الأوكرانية، وكون أحد أعضاء مجلس الأمن الدائمين طرفًا فيها، فهذا يضع المنظمة في حالة من الشك والقلق والخطر. وكل هذا يستوجب إعادة النظر في دور مجلس الأمن، واحتكار حق التصويت وإجراء مزيد من الإصلاحات لمنح المنظمة صلاحيات توقف خطر أي حرب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.